للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ هَذَا فِي هَذَا الْمَقَامِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى لِسَعْيِ النَّاسِ: بَعْضُهُ سَارٌّ لِفَرِيقٍ وَبَعْضُهُ مُحْزِنٌ لِفَرِيقٍ آخَرَ.

وَأَفَادَ ضَمِيرُ الْفَصْلِ قَصْرًا لِصِفَةِ خَلْقِ أَسْبَابِ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِإِبْطَالِ الشَّرِيكِ فِي التَّصَرُّفِ فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ تَصَرُّفِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَصْرُ بِالنَّظَرِ إِلَى نَفْسِ الْأَمْرِ قَصْرًا حَقِيقِيًّا لِإِبْطَالِ اعْتِقَادِ أَنَّ الدَّهْرَ مُتَصَرِّفٌ.

وَإِسْنَادُ الْإِضْحَاكِ وَالْإِبْكَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَالِقُ قُوَّتَيِ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ فِي الْإِنْسَانِ، وَذَلِكَ خَلْقٌ عَجِيبٌ وَلِأَنَّهُ خَالِقُ طَبَائِعِ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي تَجْلِبُ أَسْبَابَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ مِنْ سُرُورٍ وَحُزْنٍ.

وَلَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُ أَضْحَكَ وَأَبْكى لِأَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الْفِعْلَيْنِ لَا إِلَى مَفْعُولَيْهِمَا فَالْفِعْلَانِ مُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيْ أَوْجَدَ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْغَرَضُ مِنْ إِثْبَاتِ انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ فِي الْإِنْسَانِ بِمَا يَجِدُهُ النَّاسُ فِي أَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ خُرُوجِ أَسْبَابِ الضحك والبكاء عَن قُدْرَتِهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ:

أَضْحَكَ وَأَبْكَى فِي الدُّنْيَا، وَلَا عَلَاقَةَ لِهَذَا بِالْمَسَرَّةِ وَالْحُزْنِ الْحَاصِلَيْنِ فِي الْآخِرَةِ.

وَفِي الِاعْتِبَارِ بِخَلْقِ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ إِشَارَةٌ إِلَى دَقَائِقِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مُحْسِنُ الطِّبَاقِ بَيْنَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ وَهُمَا ضِدَّانِ.

وَتَقْدِيمُ الضَّحِكِ عَلَى الْبُكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ امْتِنَانًا بِزِيَادَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْقُدْرَةِ وَحَصَلَ بِذَلِكَ مُرَاعَاةُ الْفَاصِلَةِ.

وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي عَطْفِهَا مِثْلُ مَوْقِعِ جُمْلَةِ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى [النَّجْم: ٤٠] فِي الِاحْتِمَالَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا شَمِلَتْهُ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ حِكَايَةً لِقَوْلِهِ: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشُّعَرَاء: ٨٠] .