وَعَرَّفَ قَوْمَ لُوطٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْأُمَّةِ اسْمٌ يُعْرَفُونَ بِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ.
وَلَمْ يُحْكَ هُنَا مَا تَلَقَّى بِهِ قَوْمُ لُوطٍ دَعْوَةَ لُوطٍ كَمَا حُكِيَ فِي الْقِصَصِ الثَّلَاثِ قَبْلَ هَذِهِ، وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَفِي سُورَةِ هُودٍ وَفِي سُورَةِ الْحِجْرِ لِأَنَّ سُورَةَ الْقَمَرِ بُنِيَتْ عَلَى تَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاتِّعَاظِ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي شَاهَدُوهَا وَآثَارِ آيَاتِهِ عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي عَلِمُوا أَخْبَارَهَا وَشَهِدُوا آثَارَهَا، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُقْتَضٍ لِتَفْصِيلِ أَقْوَالِ تِلْكَ الْأُمَمِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مُشَابِهًا لِأَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَفْصِيلِهِ وَلَمْ تَكُنْ أَقْوَالُ قَوْمِ لُوطٍ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى حِكَايَةِ مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ تَكْذِيبُ رَسُولِهِمْ وَإِعْرَاضُهُمْ عَنْ نُذُرِهِ. وَالنُّذُرُ تَقَدَّمَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنِ الْإِخْبَارِ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالنُّذُرِ.
وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ، وَجُمْلَةُ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ.
وَالْحَاصِبُ: الرِّيحُ الَّتِي تَحْصِبُ، أَيْ تَرْمِي بِالْحَصْبَاءِ تَرْفَعُهَا مِنَ الْأَرْضِ لِقُوَّتِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [٤٠] .
وَالِاسْتِثْنَاءُ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّ آلَ لُوطٍ مِنْ جُمْلَةِ قَوْمِهِ.
وآلَ لُوطٍ: قَرَابَتُهُ وَهُمْ بَنَاتُهُ، وَلُوطٌ دَاخِلٌ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى. وَقَدْ ذُكِرَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى أَنَّ زَوْجَةَ لُوطٍ لَمْ يُنَجِّهَا اللَّهُ وَلَمْ يُذْكُرْ ذَلِكَ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَوَاقِعِ ذِكْرِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالرَّسُولِ لَا يُعَدُّ مِنْ آلِهِ، كَمَا قَالَ: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [هود: ٤٦] .
وَذَكَرَ بِسَحَرٍ، أَيْ فِي وَقْتِ السَّحَرِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى إِنْجَائِهِمْ قُبَيْلَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِقَوْمِهِمْ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ.
وَانْتَصَبَ نِعْمَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ، أَيْ إِنْعَامًا مِنَّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute