للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ فَمَنْ حَضَرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ كُلَّهُ وَيُفْهَمْ أَنَّ مَنْ حَضَرَ بَعْضَهُ يَصُومُ أَيَّامَ حُضُورِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمرَان: ١٨] فَيَكُونُ انْتِصَابُ الشَّهْرِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عَلِمَ بِحُلُولِ الشَّهْرِ،

وَلَيْسَ شَهِدَ بِمَعْنَى رَأَى لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: شَهِدَ بِمَعْنَى رَأَى، وَإِنَّمَا يُقَالُ شَاهَدَ، وَلَا الشَّهْرُ هُنَا بِمَعْنَى هِلَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْهِلَالِ كَمَا حَكَوْهُ عَنِ الزَّجَّاجِ وَأَنْشَدَ فِي «الْأَسَاسِ» قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:

فَأَصْبَحَ أَجْلَى الطَّرْفِ مَا يَسْتَزِيدُهُ ... يَرَى الشَّهْرَ قَبْلَ النَّاسِ وَهُوَ نَحِيلُ

أَيْ يَرَى هِلَالَ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْهِلَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ فِعْلُ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمَنْ يَفْهَمُ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً بَيِّنًا وَهُوَ يُفْضِي إِلَى أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ مُعَلَّقٌ وُجُوبُ صَوْمِهِ عَلَى مُشَاهَدَتِهِ هِلَالَ رَمَضَانَ فَمَنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَهَذَا بَاطِلٌ، وَلِهَذَا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ عَلَى طَرِيقِ ثُبُوتِ الشَّهْرِ وَإِنَّمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ

بِحَدِيثِ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ»

وَفِي مَعْنَى الْإِقْدَارِ لَهُ مَحَامِلُ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُور: (القرءان) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الرَّاءِ السَّاكِنَةِ وَبَعْدَ الْهَمْزَةِ أَلِفٌ، وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ عَلَى نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى الرَّاءِ السَّاكِنَةِ لِقَصْدِ التَّخْفِيفِ.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ قَالُوا فِي وَجْهِ إِعَادَتِهِ مَعَ تَقَدُّمِ نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً [الْبَقَرَة: ١٨٤] إِنَّهُ لَمَّا كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبًا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ بِالْإِطْعَامِ بِالْآيَةِ الْأُولَى وَهِيَ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [الْبَقَرَة: ١٨٣] إِلَخْ وَقَدْ سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بِنَصِّهَا فَلَمَّا نُسِخَ حُكْمُ تِلْكَ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ شَهْرُ رَمَضانَ الْآيَةَ وَصَارَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَى التَّعْيِينِ خِيفَ أَنْ يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ الرُّخْصَةِ قَدْ نُسِخَ فَوَجَبَ الصَّوْمُ أَيْضًا حَتَّى عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فَأُعِيدَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّاسِخَةِ تَصْرِيحًا بِبَقَاءِ تِلْكَ الرُّخْصَةِ، وَنُسِخَتْ رُخْصَةُ الْإِطْعَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْحَضَرِ وَالصِّحَّةِ لَا غَيْرَ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى كَوْنِ هَاتِهِ الْآيَةِ نَاسِخَةً لِلَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ دَرَجْنَا عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَ الْوَجْهُ فِي إِعَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ هُوَ هَذَا الْمَوْضِعُ الْجَدِيرُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً لِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ تَعْيِينِ أَيَّامِ الصَّوْمِ، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى فَهُوَ تَعْجِيلٌ بِالْإِعْلَامِ بِالرُّخْصَةِ رِفْقًا بِالسَّامِعِينَ، أَوْ أَنَّ إِعَادَتَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ إِذَا كَانَ