وَلَمَّا كَانَ السِّدْرُ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَكَانَ مَحْبُوبًا لِلْعَرَبِ وَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَطِيعِينَ أَنْ يَجْعَلُوا مِنْهُ فِي جَنَّاتِهِمْ وَحَوَائِطِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَّا فِي الْبَادِيَةِ فَلَا يَنْبُتُ فِي جَنَّاتِهِمْ خُصَّ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ شَجَرِ الْجَنَّةِ إِغْرَابًا بِهِ وَبِمَحَاسِنِهِ الَّتِي كَانَ مَحْرُومًا مِنْهَا مَنْ لَا يَسْكُنُ الْبَوَادِي وَبِوَفْرَةِ ظِلِّهِ وَتَهَدُّلِ أَغْصَانِهِ وَنَكْهَةِ ثَمَرِهِ.
وَوُصِفِ بِالْمِخْضُودِ، أَيِ الْمُزَالِ شَوْكَهُ فَقَدْ كَمُلَتْ مَحَاسِنُهُ بِانْتِفَاءِ مَا فِيهِ مِنْ أَذًى.
وَالطَّلْحُ: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ وَاحِدُهُ طَلْحَةٌ، وَهُوَ مِنْ شَجَرِ الْحِجَازِ يَنْبُتُ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، شَدِيدُ الطُّولِ، غَلِيظُ السَّاقِ. مِنْ أَصْلَبِ شَجَرِ الْعِضَاهِ عُودًا، وَأَغْصَانُهُ طُوَالٌ عِظَامٌ شَدِيدَةُ الْاِرْتِفَاعِ فِي الْجَوِّ وَلَهَا شَوْكٌ كَثِيرٌ قَلِيلَةُ الْوَرَقِ شَدِيدَةُ الْخُضْرَةِ كَثِيرَةُ الظِّلِّ مِنَ الْتِفَافِ أَغْصَانِهَا، وَصَمْغُهَا جَيِّدٌ وَشَوْكُهَا أَقَلُّ الشَّوْكِ أَذًى، وَلَهَا نُورٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الشَّجَرَةُ أُمَّ غَيْلَانَ، وَتُسَمَّى فِي صَفَاقُسَ غِيلَانَ وَفِي أَحْوَازِ تُونُسَ تُسَمَّى مِسْكَ صَنَادِقَ.
وَالْمَنْضُودُ: الْمُتَرَاصُّ الْمُتَرَاكِبُ بِالْأَغْصَانِ لَيْسَتْ لَهُ سُوقٌ بَارِزَةٌ، أَوِ الْمُنَضَّدُ بِالْحِمْلِ، أَيِ النُّوَّارِ فَتَكْثُرُ رَائِحَتُهُ.
وَعَلَى ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْبِشَارَةِ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلْحِ عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرَ فِي قَوْلِهِ: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَيُعْتَاضُ عَنْ نِعْمَةِ نَكْهَةِ ثَمَرِ السِّدْرِ بِنِعْمَةِ عَرْفِ نَوْرِ الطَّلْحِ.
وَفُسِّرَ الطَّلْحُ بِشَجَرِ الْمَوْزِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ كَثِيرٍ، وَنُسِبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَالْاِمْتِنَانُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ امْتِنَانٌ بِثَمَرِهِ لِأَنَّهُ ثَمَر طيب لذيد وَلِشَجَرِهِ مِنْ حُسْنِ الْمَنْظَرِ، وَلَمْ يَكُنْ شَائِعًا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى كَثْرَةِ الْمَاءِ.
وَالظِّلُّ الْمَمْدُودُ: الَّذِي لَا يَتَقَلَّصُ كَظِلِّ الدُّنْيَا، وَهُوَ ظِلٌّ حَاصِلٌ مِنَ الْتِفَافِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ وَكَثْرَةِ أَوْرَاقِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute