أَفَرَأَيْتُمْ وَإِنْ كَانَ مَفْعُولُ فِعْلِ الرُّؤْيَةِ مُخْتَلِفًا وَسَيَجِيءُ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ [الْوَاقِعَة: ٦٨] وَقَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [الْوَاقِعَة: ٧١] .
وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْفَاءَ لِتَفْرِيعِ مُجَرَّدِ اسْتِدْلَال على اسْتِدْلَالٍ لَا لِتَفْرِيعِ مَعْنَى مَعْطُوفِهَا عَلَى مَعْنَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ لَمَّا آلَ الْاِسْتِدْلَالُ السَّابِقُ إِلَى عُمُومِ صَلَاحِيَّةِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ جَازَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُرَادًا بِهَا تَمْثِيلٌ بِنَوْعٍ عَجِيبٍ مِنْ أَنْوَاعِ تَعَلُّقَاتِ الْقُدْرَةِ بِالْإِيجَادِ دُونَ إِرَادَةِ الْاِسْتِدْلَالِ عَلَى خُصُوصِ الْبَعْثِ فَيَصِحُّ جَعْلُ الْفَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى جُمْلَةِ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا اقْتَضَتْ سِعَةَ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَمُنَاسِبَةُ الْاِنْتِقَالِ مِنَ الْاِسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ النَّسْلِ إِلَى الْاِسْتِدْلَالِ بِنَبَاتِ الزَّرْعِ هِيَ التَّشَابُهُ الْبَيِّنُ بَيْنَ تَكْوِينِ الْإِنْسَانِ وَتَكْوِينِ النَّبَاتِ، قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] .
وَالْقَوْلُ فِي أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ [الْوَاقِعَة: ٥٨] .
وَمَا تَحْرُثُونَ مَوْصُول وصلَة وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ.
وَالْحَرْثُ: شَقُّ الْأَرْضِ لِيُزْرَعَ فِيهَا أَوْ يُغْرَسَ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مَا تَحْرُثُونَ أَنَّهُ الْأَرْضُ إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يُلَائِمُ ضَمِيرَ تَزْرَعُونَهُ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا تَحْرُثُونَ بِأَنْ يُقَدَّرَ: مَا تَحْرُثُونَ لَهُ، أَيْ لِأَجْلِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَالَّذِي يَحْرُثُونَ لِأَجْلِهِ هُوَ النَّبَاتُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا ضَمِيرُ النَّصْبِ فِي أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى النَّفْيِ وَالَّذِي يُنْفَى هُوَ مَا يَنْبُتُ مِنَ الْحَبِّ لَا بَذْرُهُ.
فَإِنَّ فِعْلَ (زَرَعَ) يُطْلَقُ بِمَعْنَى: أَنْبَتَ، قَالَ الرَّاغِبُ: الزَّرْعُ، الْإِنْبَاتُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ فَنَفَى عَنْهُمُ الزَّرْعَ وَنَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ اه وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَيُطْلَقُ فِعْلُ (زَرَعَ) بِمَعْنَى: بَذَرَ الْحَبَّ فِي الْأَرْضِ لِقَوْلِ صَاحِبِ «لِسَانِ الْعَرَبِ» : زَرَعَ الْحَبَّ: بَذَرَهُ، أَيْ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَبُّ الَّذِي يُبْذَرُ فِي الْأَرْضِ زَرِيعَةً لَكِنْ لَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ. فَالْمَعْنَى: أَفَرَأَيْتُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute