سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَلَا يَعْقِلُ أَنْ يَبْقَى الْمُسْلِمُونَ سَبْعَ أَوْ ثَمَانِيَ سِنِينَ فِي مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ، فَمَحَلُّ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ وَقَعَ فِي أَوَّلِ مُدَّةِ شَرْعِ الصِّيَامِ، وَمَحْمَلُ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ عَدِيًّا وَقَعَ فِي مِثْلِ الْخَطَأِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمُوهُ، فَإِنَّ الَّذِي عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ:
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَخْ فَهُوَ قَدْ ذَكَرَ الْآيَةَ مُسْتَكْمَلَةً، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ عَمِلَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ أَيْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْ صَوْمِ النَّذْرِ وَفِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ فَرْضِ رَمَضَانَ وَفِيهَا مِنَ الْفَجْرِ عَلِمُوا أَنَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ خَطَأٌ، ثُمَّ حَدَثَ مِثْلُ ذَلِكَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ.
وَحَدِيثُ سَهْلٍ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ سَنَدِهِ إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيهِ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفَجْرِ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى فَجَاءَ رَاوِيهِ بِعِبَارَاتٍ قَلِقَةٍ غَيْرِ وَاضِحَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ الرَّاوِي: «فَأَنْزَلَ بَعْدُ- أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ- مِنَ الْفَجْرِ» وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا- إِلَى قَوْلِهِ- مِنَ الْفَجْرِ.
وأيّا مَا كَانَ فَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْخَيْطِ فِي الْآيَةِ ظَاهِرٌ لِلْعَرَبِ، فَالتَّعْبِيرُ بِهِ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ، وَعَدَمُ فَهْمِ بَعْضِهِمُ الْمُرَادَ مِنْهُ لَا يَقْدَحُ فِي ظُهُورِ الظَّاهِرِ، فَالَّذِينَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مَعْنَى الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، فَهِمُوا أَشْهَرَ مَعَانِي الْخَيْطِ وَظَنُّوا أَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ يَتَبَيَّنَ عَلَى أَنْ تَكُونَ (مِنْ) تَعْلِيلِيَّةً أَيْ يَكُونُ تَبَيُّنُهُ بِسَبَبِ ضَوْءِ الْفَجْرِ، فَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا وَلِذَلِكَ
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ- أَوْ إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا»
كِنَايَةً عَنْ قِلَّةِ الْفِطْنَةِ وَهِيَ كِنَايَةٌ مُوَجَّهَةٌ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَاشِرُوهُنَّ لِقَصْدِ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَكِفُ صَالِحًا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لَهَاتِهِ الْآيَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَقِيلَ مُطَلَّقُ مَسْجِدٍ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَهُوَ مَذْهَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute