ذُو رُوحٍ، أَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْعَذَابِ فَحَيَاتُهُ أَقَلُّ من الْمَوْت، قَالَ تَعَالَى: لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [الْأَعْلَى: ١٣] ، أَيْ لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَلَا يَجِدُهُ.
وَالرَّيْحَانُ: شَجَرٌ لِوَرَقَهِ وَقُضْبَانِهِ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ شَدِيدُ الْخُضْرَةِ كَانَتِ الْأُمَمُ تُزَيِّنُ بِهِ مَجَالِسِ الشَّرَابِ. قَالَ الْحَرِيرِيُّ «وَطَوْرًا يَسْتَبْزِلُ الدنان، وَمرَّة يستنثق الرَّيْحَانَ» وَكَانَتْ مُلُوكُ الْعَرَبِ تَتَّخِذُهُ، قَالَ النَّابِغَةُ:
يُحَيَّوْنَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ [١٢] ، فَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ قَبْلَ ذِكْرِ الْجَنَّةِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَيْهِ إِيمَاءً إِلَى كَرَامَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ:
وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْد: ٢٣، ٢٤] .
وَجُمْلَةُ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ جَوَابُ (أَمَّا) الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى: مَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ. وَفَصَلَ بَيْنَ (مَا) الْمُتَضَمِّنَةِ مَعْنَى اسْمِ شَرْطٍ وَبَيْنَ فِعْلِ شَرْطٍ وَبَيْنَ الْجَوَابِ بِشَرْطٍ آخَرَ هُوَ إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ جَرَى عَلَى لُزُومِ الْفَصْلِ بَيْنَ (أَمَّا) وَجَوَابِهَا بِفَاصِلٍ كَرَاهِيَةَ اتِّصَالِ فَاءِ الْجَوَابِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ لَمَّا الْتَزَمُوا حَذْفَ فِعْلِ الشَّرْطِ فَأَقَامُوا مَقَامَهُ فَاصِلًا كَيْفَ كَانَ.
وَجَوَابُ (إِنْ) الشَّرْطِيَّةِ مَحْذُوفٌ أَغْنَى عَنْهُ جَوَابُ (أَمَّا) .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ.
وَالسَّلَامُ: اسْمٌ لِلسَّلَامَةِ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى التَّحِيَّةِ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَكَ لِلِاخْتِصَاصِ. وَالْكَلَامُ إِجْمَالٌ لِلتَّنْوِيهِ بِهِمْ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ وَخَلَاصِهِمْ مِنَ الْمُكَدِّرَاتِ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ كُلَّ مَذْهَبٍ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَقِيلَ: كَافُ الْخِطَابِ مُوَجَّهَةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَيْ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الْخَبَرَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ السَّلَامَةَ الْحَاصِلَةَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ تَسُرُّ مَنْ يَبْلُغُهُ أَمْرُهَا. وَهَذَا كَمَا يُقَالُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute