وَلِذَلِكَ عَبَّرْتُ عَنْهُ بِالْكَدْحِ وَذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمَالَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُكْتَسَبًا والاكتساب لَهُ ثَلَاثَة طُرُقٍ:
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: طَرِيقُ التَّنَاوُلِ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الْبَقَرَة: ٢٩] وَقَالَ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الْملك: ١٥] وَهَذَا كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ الْبَرِّيِّ وَالْبَحْرِيِّ وَثَمَرِ شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَالْعَسَلِ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ بِلَا مُزَاحَمَةٍ وَقَدْ يَكُونُ بِمُزَاحَمَةٍ فَيَكُونُ تَحْصِيلُهُ بِالسَّبْقِ كَسُكْنَى الْجِبَالِ وَالْتِقَاطِ الْكَمْأَةِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: الِاسْتِنْتَاجُ وَذَلِكَ بِالْوِلَادَةِ وَالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْحَلْبِ، وَبِالصَّنْعَةِ كَصُنْعِ الْحَدِيدِ وَالْأَوَانِي وَاللِّبَاسِ وَالسِّلَاحِ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: التَّنَاوُلُ مِنْ يَدِ الْغَيْرِ فِيمَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ إِمَّا بِتَعَامُلٍ بِأَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ وَيَأْخُذُ مِنَ الْغَيْرِ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ هُوَ، أَوْ بِإِعْطَاءِ مَا جَعَلَهُ النَّاسُ عَلَّامَةً عَلَى أَنَّ مَالِكَهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يَأْخُذَ بِهِ مَا قُدِّرَ بِمِقْدَارِهِ كَدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فِي شَيْءٍ مُقَوَّمٍ بِهِمَا، وَإِمَّا بِقُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ كَالْقِتَالِ عَلَى الْأَرَاضِي وَعَلَى الْمِيَاهِ.
وَالْبَاطِلُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَطَلَ إِذَا ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخَسْرًا أَيْ بِدُونِ وَجْهٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَجْهَ هُوَ مَا يُرْضِي صَاحِبَ الْمَالِ أَعْنِي الْعِوَضَ فِي الْبُيُوعَاتِ وَحُبِّ الْمَحْمَدَةِ فِي التَّبَرُّعَاتِ.
وَالضَّمَائِرُ فِي مِثْلِ: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِعْلُ: وَلا تَأْكُلُوا وَقَعَ فِي حَيِّزِ النَّهْيِ فَهُوَ عَامٌّ، فَأَفَادَ ذَلِكَ نَهْيًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كُلِّ أَكْلٍ وَفِي جَمِيع الْأَمْوَال، قُلْنَا هُنَا جَمْعَانِ جَمْعُ الْآكِلِينَ وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الْمَأْكُولَةِ، وَإِذَا تَقَابَلَ جَمْعَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُقَابَلَةِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجَمْعِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجَمْعِ الْآخَرِ عَلَى التَّوْزِيعِ نَحْوَ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النِّسَاء: ١٠٢]- قُوا أَنْفُسَكُمْ [التَّحْرِيم: ٦] ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يُقَابَلُ بِفَرْدٍ غَيْرِهِ لَا بِفَرْدِ نَفْسِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات:
١١] وَقَوْلِهِ فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: ٦١] ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُقَابَلَةِ كُلِّ فَرْدٍ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ [غَافِر: ٩] ، وَالتَّعْوِيلُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَرَائِنِ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ هُنَا مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ آخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute