للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِذِكْرِ اللَّهِ، وَلَكِنْ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فُصِلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِمَّا نَزَلَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ الْآيَةَ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: اعْلَمُوا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ إِقْبَالًا عَلَيْهِمْ لِلِاهْتِمَامِ.

وَقَوْلُهُ: أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ مُصَرَّحَةٌ وَيَتَضَمَّنُ تَمْثِيلِيَّةً مَكْنِيَّةً بِسَبَبِ تَضَمُّنِهِ تَشْبِيهَ حَالِ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ فِي إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ بِحَالِ الْمَطَرِ فِي إِصْلَاحِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ جَدْبِهَا. وَطُوِيَ ذِكْرُ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا وَرُمِزَ إِلَيْهَا بِلَازِمِهَا وَهُوَ إِسْنَادُ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِسَبَبِ الْمَطَرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها (١) [النَّحْل: ٦٥] .

وَالْمَقْصُودُ الْإِرْشَادُ إِلَى وَسِيلَةِ الْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ وَالْحَثِّ عَلَى تَعَهُّدِ النَّفْسِ بِالْمَوْعِظَةِ، وَالتَّذْكِيرُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَكَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْلِيمِهِ وَأَنَّ فِي اللَّجَأِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجَاةً وَفِي الْمَفْزَعِ إِلَيْهِمَا عِصْمَةً وَقَدْ

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» .

وَقَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبَ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ لِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»

. وَقَوْلُهُ: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِجُمْلَةِ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها لِأَنَّ السَّامِعَ قَوْلَهُ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يَتَطَلَّبُ

مَعْرِفَةَ الْغَرَضِ مِنْ هَذَا الْإِعْلَامِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ جَوَابًا عَنْ تَطَلُّبِهِ، أَيْ أَعْلَمْنَاكُمْ بِهَذَا تَبْيِينًا لِلْآيَاتِ.

وَيُفِيدُ بِعُمُومِهِ مُفَادَ التَّذْيِيلِ لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ مَكِيِّهَا وَمَدَنِيِّهَا لِأَنَّ


(١) فِي المطبوعة (ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا) وَهَذَا خطأ، لِأَنَّهُ جمع بَين آيَتَيْنِ، والمثبت هُوَ الصَّوَاب وَالله أعلم. [.....]