للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَشُهَدَاءِ الْأُمَمِ، أَيْ كَقَتْلَاهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَتَكُونُ جُمْلَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَشَأَ عَنْ وَصْفِهِمْ بِتَيْنِكَ الصِّفَتَيْنِ فَإِنَّ السَّامِعَ يَتَرَقَّبُ مَا هُوَ نَوَالُهُمْ مِنْ هَذَيْنِ الْفَضْلَيْنِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالشُّهَداءُ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ فَيُوقَفُ عَلَى قَوْلِهِ: الصِّدِّيقُونَ.

وَحُكِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ فَيَكُونُ انْتِقَالًا مِنْ وَصْفِ مَزِيَّةِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَصْفِ مَزِيَّةِ فَرِيقٍ مِنْهُمُ اسْتَأْثَرُوا بِفَضِيلَةِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الْحَدِيد: ١٠] فَإِنَّهُ لَمَّا نَوَّهَ بِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ الْمَعْفِيِّينَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ [الْحَدِيد: ٨] إِلَخْ فَأَوْفَاهُمْ حَقَّهُمْ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ أَقْبَلَ عَلَى وَعْدِ الشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ تَضَمَّنَ ذِكْرَهُمْ قَوْلُهُ: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْحَدِيد: ١٠] الْآيَاتِ، فَالشُّهَدَاءُ إِذَنْ هُمُ الْمَقْتُولُونَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَالْمَعْنَيَانِ مِنَ الشُّهَدَاءِ مُمْكِنٌ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى إِرَادَتِهِمَا عَلَى طَرِيقَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ. وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ جَرَى اسْتِعْمَالُ الْقُرْآن عَلَيْهِ.

وضميرا أَجْرُهُمْ ونُورُهُمْ يَعُودَانِ إِلَى الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ أَوْ إِلَى الشُّهَدَاءِ فَقَطْ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ آنِفًا فِي الْعَطْفِ.

وعِنْدَ رَبِّهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْمَجْرُورِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَالتَّقْدِيرُ:

لَهُمْ أَجْرُهُمْ مُسْتَقِرٌّ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالْعِنْدِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعِنَايَةِ وَالْحُظْوَةِ.

وَالظَّاهِرُ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى مَذْكُورٍ فِي اللَّفْظِ بِمَعْنَاهُ الْمَذْكُورِ فَظَاهِرُ مَعْنَى أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أَنَّهُ أَجْرُ أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ، وَمَعْنَى إِضَافَةِ أَجْرٍ وَنُورٍ إِلَى ضَمِيرِهِمْ أَنَّهُ أَجْرٌ يُعَرَّفُ بِهِمْ وَنُورٌ يُعَرَّفُ بِهِمْ.