شِدَّةٌ فِي إِحْدَى الْمَغَازِي أَوْ حَبْسُ مَطَرٍ أَو نَحْو ذَلِكُم مِمَّا كَانَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَ (مَا) نَافِيَةٌ وَ (مِنْ) زَائِدَةٌ فِي النَّفْيِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ قَصْدًا لِلْعُمُومِ.
وَمَفْعُولُ أَصابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَا أَصَابَكُمْ أَوْ مَا أَصَابَ أَحَدًا.
وَقَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَصَائِبِ الْعَامَّةِ كَالْقَحْطِ وَفَيَضَانِ السُّيُولِ وَمَوَتَانِ الْأَنْعَامِ وَتَلَفِ الْأَمْوَالِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَصَائِبِ اللَّاحِقَةِ لِذَوَاتِ النَّاسِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَسْرِ فِي الْحَرْبِ وَمَوْتِ الْأَحْبَابِ وَمَوْتِ الْمَرْءِ نَفْسِهِ فَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ مُصِيبَةً فِي قَوْلِهِ: فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [الْمَائِدَة: ١٠٦] . وَتَكْرِيرُ حَرْفِ النَّفْيِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْمَذْكُورِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّ الْمَصَائِبَ الْخَاصَّةَ بِالنَّفْسِ أَشَدُّ وَقْعًا عَلَى الْمُصَابِ، فَإِنَّ الْمَصَائِبَ الْعَامَّةَ إِذَا أَخْطَأَتْهُ فَإِنَّمَا يَتَأَثَّرُ لَهَا تَأَثُّرًا بِالتَّعَقُّلِ لَا بِالْحِسِّ فَلَا تَدُومُ مُلَاحَظَةُ النَّفْسِ إِيَّاهُ.
وَالْاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا فِي كِتابٍ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحْوَالٍ مَنْفِيَّةٍ بِ (مَا) ، إِذِ التَّقْدِيرُ: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ كَائِنَةٍ فِي حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهَا مَكْتُوبَةً فِي كِتَابٍ، أَيْ مُثْبَتَةً فِيهِ.
وَالْكِتَابُ: مَجَازٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَجْهُ المشابهة عدم قبُوله التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّخَلُّفِ، قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
حَذَرَ الْجَوْرِ وَالتَّطَاخِي وَهَلْ ... يَنْقُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ
وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُهُ وَتَقْدِيرُهُ لِأَسْبَابِ حُصُولِهَا وَوَقْتِ خَلْقِهَا وَتَرَتُّبِ آثَارِهَا وَالْقَصْرِ الْمُفَادِ بِ (إِلَّا) قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهَا فِي كِتَابٍ دُونَ عَدَمِ سَبْقِ تَقْدِيرِهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ رَدًّا عَلَى اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا [آل عمرَان: ١٥٦] وَقَوْلِهِ: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا [آل عمرَان: ١٦٨] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute