للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبَيِّنَاتُ: الْحُجَجُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ، وَالْمُعْجِزَاتُ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيِّنَاتِ.

وَتَعْرِيفُ الْكِتابَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيْ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ كُتُبًا، أَيْ مِثْلَ الْقُرْآنِ.

وَإِنْزَالُ الْكِتَابِ: تَبْلِيغٌ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنْزَالُ الْمِيزَانِ: تَبْلِيغُ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ.

وَالْمِيزَانُ: مُسْتَعَارٌ لِلْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ فِي إِعْطَاءِ حُقُوقِهِمْ لِأَنَّ مِمَّا يَقْتَضِيهُ الْمِيزَانُ وُجُودَ طَرَفَيْنِ يُرَادُ مَعْرِفَةُ تَكَافُئِهِمَا، قَالَ تَعَالَى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النِّسَاء: ٥٨] . وَهَذَا الْمِيزَانُ تُبَيِّنُهُ كُتُبُ الرُّسُلِ، فَذِكْرُهُ بِخُصُوصِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةُ انْتِظَامِ أُمُورِ الْبَشَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [النِّسَاء: ١٠٥] وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَهُمْ وَضْعَ آلَاتِ الْوَزْنِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْمُهِمِّ، وَهُوَ مِمَّا يَشْمَلُهُ مَعْنَى الْعَدْلِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ.

وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ بِقَوْلِهِ: وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ.

وَالْقِيَامُ: مَجَازٌ فِي صَلَاحِ الْأَحْوَالِ وَاسْتِقَامَتِهَا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَيْسِيرِ الْعَمَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ [٣] .

وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمِيزَانِ الْمَذْكُورِ لْاخْتِصَاصِهِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ، وَأَمَّا الْقِسْطُ فَهُوَ إِجْرَاءُ أُمُورِ النَّاسِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهُ الْحَقُّ فَهُوَ عَدْلٌ عَامٌّ بِحَيْثُ يَقْدِرُ صَاحِبُ الْحَقِّ مُنَازِعًا لِمَنْ قَدِ احْتَوَى عَلَى حَقِّهِ.

وَلَفْظُ «الْقِسْطِ» مَأْخُوذٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ لَفْظِ قِسْطَاسِ اسْمُ الْعَدْلِ بِلُغَةِ الرُّومِ، فَهُوَ مِنَ الْمُعَرَّبِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.

وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ يَكُونُ أَمْرُ النَّاسِ مُلَابِسًا لِلْعَدْلِ وَمُمَاشِيًا لِلْحَقِّ، وَإِنْزَالُ الْحَدِيدِ:

مُسْتَعَارٌ لِخَلْقِ مَعْدَنِهِ كَقَوْلِهِ: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر: ٦] ، أَيْ خَلَقَ لِأَجْلِكُمْ وَذَلِكَ بِإِلْهَامِ الْبَشَرِ اسْتِعْمَالَهُ فِي السِّلَاحِ مِنْ سُيُوفٍ وَدُرُوعٍ