(١)
افْتُتِحَتْ آيَاتُ أَحْكَامِ الظِّهَارِ بِذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِهَا تَنْوِيهًا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي وَجَّهَتْ شَكْوَاهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا لَمْ تُقَصِّرْ فِي طَلَبِ الْعَدْلِ فِي حَقِّهَا وَحَقِّ بَنِيهَا. وَلَمْ تَرْضَ بِعُنْجُهِيَّةِ زَوْجِهَا وَابْتِدَارِهِ إِلَى مَا يَنْثُرُ عِقْدَ عَائِلَتِهِ دُونَ تَبَصُّرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ، وَتَعْلِيمًا لِنِسَاءِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَرِجَالِهَا وَاجِبَ الذَّوْدِ عَنْ مَصَالِحِهَا.
تِلْكَ هِيَ قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ خَوْلَةَ أَوْ خُوَيْلَةَ مُصَغَّرًا أَوْ جَمِيلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَوْ بِنْتِ دُلَيْجٍ (مُصَغَّرًا) الْعَوْفِيَّةِ. وَرُبَّمَا قَالُوا: الْخَزْرَجِيَّةُ، وَهِيَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخَزْرَجِ، مِنْ بُطُونِ الْأَنْصَارِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الْخَزْرَجِيِّ أَخِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
قِيلَ: إِنَّ سَبَبَ حُدُوثِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَنَّ زَوْجَهَا رَآهَا وَهِيَ تُصَلِّي وَكَانَتْ حَسَنَةَ الْجِسْمِ، فَلَمَّا سَلَّمَتْ أَرَادَهَا فَأَبَتْ فَغَضِبَ وَكَانَ قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْرِيمًا لِلْمَرْأَةِ مُؤَبَّدًا (أَيْ وَعَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَدِينَةِ بِعِلْمٍ من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقْرَارِهِ النَّاسَ عَلَيْهِ فَاسْتَقَرَّ مَشْرُوعًا) فَجَاءَتْ خَوْلَةُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا: حُرِّمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَت للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إِنْ ضَمَمْتَهُمْ إِلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتَهُمْ إِلَيَّ جَاعُوا، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي فِي أَمْرِكِ شَيْءٌ» ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا. وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو وَلَدِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَقَالَ:
«حُرِّمْتِ عَلَيْهِ» . فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَوَجْدِي. كُلَّمَا قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حُرِّمْتِ عَلَيْهِ» هَتَفَتْ وَشَكَتْ إِلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ
. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ دَاوُدُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مُجْمَلًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَأَمَّا تَفْصِيلُ قِصَّتِهِ فَمِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ يَزِيدُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَدِ اسْتَقْصَاهَا الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَكُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُجَادِلَةَ خَوْلَةُ أَوْ خُوَيْلَةُ أَوْ جَمِيلَةُ، وَعَلَى أَنَّ زَوْجَهَا أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا فِي الظِّهَارِ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى مَنْسُوبَةٍ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute