مَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّحْتِ وَلَيْسَ هُوَ من التحت لِأَنَّ النَّحْتَ يَشْتَمِلُ عَلَى حُرُوفٍ مِنْ عِدَّةِ كَلِمَاتٍ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ: كَانَ الظِّهَارُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتَضِي تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ.
وَأَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَهْلِ يَثْرِبَ وَمَا حَوْلَهَا لِكَثْرَةِ مُخَالَطَتِهِمُ الْيَهُودَ وَلَا أَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ فِي مَكَّةَ وَتِهَامَةَ وَنَجْدٍ وَغَيْرِهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ. وَحَسْبُكَ أَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي الْمَدَنِيِّ هُنَا وَفِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
وَالَّذِي يَلُوحُ لِي أَنَّ أَهْلَ يَثْرِبَ ابْتَدَعُوا هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ مُمْتَزِجِينَ بِالْيَهُودِ مُتَخَلِّقِينَ بِعَوَائِدِهِمْ، وَكَانَ الْيَهُودُ يَمْنَعُونَ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلَ امْرَأَتَهُ مِنْ جِهَةِ خَلْفِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٢٣] . فَلِذَلِكَ جَاءَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ لَفْظُ الظَّهْرِ، فَجَمَعُوا فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ تَغْلِيظًا مِنَ التَّحْرِيمِ وَهِيَ أَنَّهَا كَأُمِّهِ، بَلْ كَظَهْرِ أُمِّهِ. فَجَاءَتْ صِيغَةً شَنِيعَةً فَظِيعَةً.
وَأَخَذُوا مِنْ صِيغَةِ «أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي» أَصْرَحَ أَلْفَاظِهَا وَأَخَصَّهَا بِغَرَضِهَا وَهُوَ لَفْظُ «ظَهْرٍ» فَاشْتَقُّوا مِنْهُ الْفِعْلَ بزنات مُتعَدِّدَة، يَقُولُونَ: ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، وَظَهَّرَ مِثْلَ ضَاعَفَ وَضَعَّفَ، وَيُدْخِلُونَ عَلَيْهِمَا تَاءَ الْمُطَاوَعَةِ، فَيَقُولُونَ: تَظَاهَرَ مِنْهَا وَتَظَهَّرَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ
قَبِيلِ النَّحْتِ نَحْوَ: بَسْمَلَ، وَهَلَّلَ، لِعَدَمِ وُجُودِ حَرْفٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْجُمْلَةِ كُلِّهَا.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: مِنْكُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ ذِكْرُ هَذَا الْوَصْفِ لِلتَّعْمِيمِ بَيَانًا لِمَدْلُولِ الصِّلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إِرَادَة معيّن بالصلة.
وَمن بَيَانِيَّةٌ كَشَأْنِهَا بَعْدَ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ فَعَلِمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ تَشْرِيعٌ عَامٌّ لِكُلِّ مُظَاهِرٍ. وَلَيْسَ خُصُوصِيَّةً لِخَوْلَةَ وَلَا لِأَمْثَالِهَا مِنَ النِّسَاءِ ذَوَاتِ الْخَصَاصَةِ وَكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ.
وَأَمَّا مِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ نِسائِهِمْ فَابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِ يُظاهِرُونَ لِتَضَمُّنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute