للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ الشِّبَعَ بِمُدَّيْنِ بمدّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلعه رَاعَى الشِّبَعَ فِي مُعْظَمِ الْأَقْطَارِ غَيْرَ الْمَدِينَةِ، وَقَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِمُدٍّ وَاحِدٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيَاسًا عَلَى مَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

وَلَمْ يُذْكَرْ مَعَ الْإِطْعَامِ قَيْدُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ مَعَ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ وَصِيَامِ الشَّهْرَيْنِ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الصِّيَامِ وَمُجَزَّأٌ لِمِثْلِ أَيَّامِ الصِّيَامِ. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِطْعَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.

ثُمَّ إِنَّ وَقْعَ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ أَوْ قَبْلَ إِتْمَامِهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ آثِمٌ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرٌ آخَرُ، وَهَذَا مَا بَيَّنَهُ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الَّذِي شَكَا إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَمَرَهُ بِأَنْ لَا يَعُودَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى يُكَفِّرَ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ.

وَصَرِيحُ الْآيَةِ أَنَّ تَتَابُعَ الصِّيَامِ شَرْطٌ فِي التَّكْفِيرِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِ دُونَ عُذْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ.

وَلَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ حَتَّى يتم الشهران مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ مَسَّهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ أَثِمَ وَوَجَبَ

عَلَيْهِ إِعَادَةُ الشَّهْرَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْوَطْءُ لَيْلًا لَمْ يَبْطُلِ التَّتَابُعُ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقِيَاسِ وَعَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْر.

وَأما كَون آثِمًا بِالْمَسِيسِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَفَّارَةِ فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى، فَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَذُقْ طَعْمَ الْفِقْهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ لَيْسَ بِالْمَحَلِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ وَطْءُ تَعَدٍّ فَلَا بُدَّ مِنَ الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ بِصَوْمٍ لَا يَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ وَطْءٌ اه.

وَالْمِسْكِينُ: الشَّدِيدُ الْفَقْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ.

وَالْمُظَاهِرُ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَأَبَى أَنْ يُكَفِّرَ انْقَلَبَ ظِهَارُهُ إِيلَاءً.

فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ بِالْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فَإِنِ انْقَضَى الْأَجَلُ