للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ أَرْخَصَ مَالِكٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ إِذَا كَثُرَ الزِّحَامُ فِيهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْمَجالِسِ وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ يَجُوزُ كَوْنُ اللَّامِ لِلْعَهْدِ وَكَوْنُهَا لِلْجِنْسِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مجَالِس النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ أَوْ مَا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَجَالِسِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْن يَصح أَن يكون الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَافْسَحُوا لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا الْآيَةَ عَطْفٌ عَلَى إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ.

وانْشُزُوا أَمْرٌ مِنْ نَشَزَ إِذَا نَهَضَ مِنْ مَكَانِهِ يُقَالُ: نَشَزَ يَنْشُزُ مِنْ بَابِ قَعَدَ وَضَرَبَ إِذَا ارْتَفَعَ لِأَنَّ النُّهُوضَ ارْتِفَاعٌ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي استقرّ فِيهِ وَمِنْه نشوز الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا مَجَازًا عَنْ بُعْدِهَا عَنْ مَضْجَعِهَا. وَالنُّشُوزُ: أَخَصُّ مِنَ التَّفْسِيحِ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ: مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْهُ لِلِاهْتِمَامِ بِالْمَعْطُوفِ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ أَقْوَى مِنَ التَّفْسِيحِ مِنْ قُعُودٍ. فَذُكِرَ النُّشُوزُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وَأَنَّ التَّفْسِيحَ الْمَأْمُورَ بِهِ تَفْسِيحٌ من قعُود لَا

سِيمَا وَقَدْ كَانَ سَبَبُ النُّزُولِ بِنُشُوزٍ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ فَسَّرَ النُّشُوزَ بِمُطْلَقِ الْقِيَامِ مِنْ مجْلِس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ كَانَ لِأَجْلِ التَّفْسِيحِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ لِأَجْلِهِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ «إِذَا قِيلَ انْشُزُوا إِلَى الْخَيْرِ وَإِلَى الصَّلَاةِ فَانْشُزُوا» .

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِذَا قِيلَ انْشُزُوا عَنْ بَيْتِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفِعُوا فَإِن للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَائِجَ، وَكَانُوا إِذَا كَانُوا فِي بَيْتِهِ أَحَبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَبُ النُّزُولِ لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ وَلَا يُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ.

وَهَذَا الْحُكْمُ إِذَا عَسُرَ التَّفْسِيحُ وَاشْتَدَّ الزِّحَامُ وَالتَّرَاصُّ فَإِنَّ لِأَصْحَابِ الْمَقَاعِدِ الْحَقَّ الْمُسْتَقِرَّ فِي أَنْ يَسْتَمِرُّوا قَاعِدِينَ لَا يُقَامُ أَحَدٌ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَقُومُ لِأَجْلِهِ أَوْلَى بِالْمَكَانِ مِنَ الَّذِي أُقِيمَ لَهُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا فعل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِقَامَةِ نَفَرٍ لِإِعْطَاءِ مَقَاعِدِهِمْ لِلْبَدْرِيِّينَ. وَمِنْهُ أَوْلَوِيَّةُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِمَجَالِسِ الدَّرْسِ، وَأَوْلَوِيَّةُ النَّاسِ فِي مَقَاعِدِ الْمَسَاجِدِ بِالسَّبْقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ نهى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ.