مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ دُونَ مَنْ يَضُمُّهُ الْمَجْلِسُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: يَرْفَعِ اللَّهُ النَّاشِزِينَ مِنْكُمْ فَاسْتَحْضَرُوا بِالْمَوْصُولِ بِصِلَةِ الْإِيمَانِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى عِلَّةِ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ لِأَجْلِ امْتِثَالِهِمْ أَمْرَ الْقَائِلِ انْشُزُوا وَهُوَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ لِإِيمَانِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ الِامْتِثَالَ مِنْ إِيمَانِهِمْ لَيْسَ لِنِفَاقٍ أَوْ لِصَاحِبِهِ امْتِعَاضٌ.
وَعَطَفَ «الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْهُمْ» عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ غِشْيَانَ مجْلِس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ مِنْ مَوَاعِظِهِ وَتَعْلِيمِهِ، أَيْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لِأَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ لِأَحَدٍ بِالْقِيَامِ مِنَ الْمَجْلِسِ لِأَجْلِهِمْ، أَيْ لِأَجْلِ إِجْلَاسِهِمْ، وَذَلِكَ رَفْعٌ لِدَرَجَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلِأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا مِنْ مجْلِس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَمَكُّنُهُمْ أَجْمَعَ لِلْفَهْمِ وَأَنْفَى لِلْمَلَلِ، وَذَلِكَ أَدْعَى لِإِطَالَتِهِمُ الْجُلُوسَ وَازْدِيَادِهِمُ التَّلَقِّيَ وَتَوْفِيرِ مُسْتَنْبَطَاتِ أَفْهَامِهِمْ فِيمَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْمِ، فَإِقَامَةُ الْجَالِسِينَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَجْلِ إِجْلَاسِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ رَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَلَعَلَّ الْبَدْرِيِّينَ الَّذِينَ نَزَلَتِ الْآيَةُ بِسَبَبِ قِصَّتِهِمْ كَانُوا مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.
وَيَجُوزُ أَنْ بَعْضًا مِنَ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْقِيَامِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأُقِيمَ لِأَجْلِ رُجْحَانِ فَضِيلَةِ الْبَدْرِيِّينَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فِي الْوَعْدِ لِلَّذِي أُقِيمَ مِنْ مَكَانِهِ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ اسْتِئْنَاسٌ لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ رَافِعُ دَرَجَتِهِ.
هَذَا تَأْوِيلُ نَظْمِ الْآيَةِ الَّذِي اقْتَضَاهُ قُوَّةُ إِيجَازِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْإِفْصَاحِ عَنِ
اسْتِفَادَةِ الْمَعْنَى مِنْ هَذَا النَّظْمِ الْبَدِيعِ مَذَاهِبَ كَثِيرَةً وَمَا سَلَكْنَاهُ أَوْضَحُ مِنْهَا.
وَانْتَصَبَ دَرَجاتٍ، عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُ مَكَانٍ يَتَعَلَّقُ بِ يَرْفَعِ أَيْ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا رَفْعًا كَائِنًا فِي دَرَجَاتٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِ يَرْفَعِ لِأَنَّهَا دَرَجَاتٌ مِنَ الرَّفْعِ، أَيْ مَرَافِعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute