وَهُمْ يَعْلَمُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَذَلِكَ أَدْخَلُ فِي التَّعْجِيبِ لِأَنَّهُ أَشْنَعُ مِنَ الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ هَذَا إِلَى مَا كَانَ يَحْلِفُهُ المُنَافِقُونَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ إِذَا كُشِفَ لَهُمْ بَعْضُ مَكَائِدِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ [التَّوْبَة: ٥٦] ، وَقَوْلُهُ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ [التَّوْبَة: ٦٢] وَقَوْلُهُ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [التَّوْبَة: ٧٤] .
قَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلٍ (بِنُونٍ فَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ) كَانَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ يُجَالس النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرْفَعُ أَخْبَارَهُ إِلَى الْيَهُودِ ويسبّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بُلِّغَ خَبَرَهُ أَوْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ جَاءَ فَاعْتَذَرَ وَأَقْسَمَ إِنَّهُ مَا فَعَلَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ تَعْلِيلٌ لإعداد الْعَذَاب الشَّديد لَهُمْ، أَيْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا فِيمَا مَضَى أَعْمَالًا سَيِّئَةً مُتَطَاوِلَةً مُتَكَرِّرَةً كَمَا يُؤذن بِهِ الْمُضَارِعُ مِنْ قَوْلِهِ:
يَعْمَلُونَ.
وَبَيْنَ (يَعْمَلُونَ) ، وَ (يَعْلَمُونَ) الْجِنَاسُ الْمَقْلُوبُ قَلْبَ بَعْضٍ.
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ.
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا عَنْ جُمْلَةِ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا أَلْجَأَهُمْ إِلَى الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ، فَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِقَضَاءِ مَآرِبِهِمْ وَزِيَادَةِ مَكْرِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْجُمْلَةُ خَبَرًا ثَانِيًا لِأِنَّ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة: ١٥] وَتَكُونُ دَاخِلَةً فِي التَّعْلِيلِ.
وَالْجُنَّةُ: الْوِقَايَةُ وَالسُّتْرَةُ، مِنْ جَنَّ، إِذَا اسْتَتَرَ، أَيْ وِقَايَةٌ مِنْ شُعُورِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ صَدِّ كَثِيرٍ مِمَّنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ لِأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute