بِهِ، وَأَمَّا تَخْرِيبُهُمْ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فِي إِسْنَادِ التَّخْرِيبِ الَّذِي خَرَّبَهُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ سَبَّبُوا تَخْرِيبَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا تَرَكَهُ بَنُو النَّضِيرِ.
فَعَطَفَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بِأَيْدِيهِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ يُخْرِبُونَ اسْتِعْمَالٌ دَقِيقٌ لِأَنَّ تَخْرِيبَ الْمُؤْمِنِينَ دِيَارِ بَنِي النَّضِيرِ لَمَّا وَجَدُوهَا خَاوِيَةً تَخْرِيبٌ حَقِيقِيٌّ يَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِهِ حَقِيقَةً.
فَالْمَعْنَى: وَيُسَبِّبُونَ خَرَابَ بُيُوتِهِمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَوَقَعَ إِسْنَادُ فِعْلِ يُخْرِبُونَ عَلَى
الْحَقِيقَةِ وَوَقَعَ تَعَلُّقُ وَتَعْلِيقُ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، فَالْمَجَازُ فِي التَّعْلِيقِ الثَّانِي.
وَأَمَّا مَعْنَى التَّخْرِيبِ فَهُوَ حَقِيقِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِكِلَا المتعلقين فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهِمَا هُوَ الْعِبْرَةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ، أَيِ اعْتَبَرُوا بِأَنْ كَانَ تَخْرِيبُ بُيُوتِهِمْ بِفِعْلِهِمْ وَكَانَتْ آلَاتُ التَّخْرِيبِ مِنْ آلَاتِهِمْ وَآلَاتِ عَدُوِّهِمْ.
وَالِاعْتِبَارُ: النَّظَرُ فِي دَلَالَةِ الْأَشْيَاءِ عَلَى لَوَازِمِهَا وَعَوَاقِبِهَا وَأَسْبَابِهَا. وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْعِبْرَةِ، وَهِيَ الْمَوْعِظَةُ. وَقَوْلُ «الْقَامُوسِ» : هِيَ الْعَجَبُ قُصُورٌ.
وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [١١١] .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: يَا أُولِي الْأَبْصارِ مُوَجَّهٌ إِلَى غَيْرِ معِين. وَنُودِيَ أولو الْأَبْصَارِ بِهَذِهِ الصِّلَةِ لِيُشِيرَ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَاضِحَةٌ مَكْشُوفَةٌ لِكُلِّ ذِي بصر مِمَّا شَاهَدَ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ ذِي بَصَرٍ يَرَى مَوَاقِعِ دِيَارِهِمْ بَعْدَهُمْ، فَتَكُونُ لَهُ عِبْرَةً قُدْرَةُ اللَّهِ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ وَتَسْلِيطِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ. وَفِي انْتِصَارِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ وَانْتِصَارِ أَهْلِ الْيَقِينِ عَلَى الْمُذَبْذَبِينَ.
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ لِإِثْبَاتِ حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute