قَالَ عَبْدُ الله بن عنمة الضَّبِّيُّ يُخَاطِبُ بِسْطَامَ بَنَ قَيْسٍ سَيِّدَ بَنِي شَيْبَانَ وَقَائِدَهُمْ فِي أَيَّامِهِمْ:
لَك المرباع مِنْهَا وَالصَّفَايَا ... وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ
فَالْمِرْبَاعُ: رُبْعُ الْمَغَانِمِ كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهِ قَائِدُ الْجَيْشِ.
وَالصَّفَايَا: النَّفِيسُ مِنَ الْمَغَانِمِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ فَتَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ، كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهِ قَائِدُ الْجَيْشِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ مَا أَعْطَاهُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمَالِ إِذَا نَزَلُوا عَلَى حَكَمِ أَمِيرِ الْجَيْشِ.
وَالنَّشِيطَةُ: مَا يُصِيبُهُ الْجَيْشُ فِي طَرِيقِهِ مِنْ مَالِ عَدُوِّهِمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى مَوْضِعِ الْقِتَالِ.
وَالْفُضُولُ: مَا يَبْقَى بَعْدَ قِسْمَةِ الْمَغَانِمِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ عَلَى رُؤُوس الْغُزَاة مثل بَعِيرٍ وَفَرَسٍ.
وَقَدْ أَبْطَلَ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَجَعَلَ الْفَيْءَ مَصْرُوفًا إِلَى سِتَّة مصارف رَاجِعَةٍ فَوَائِدُهَا إِلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ لَسَدِّ حَاجَاتِهِمُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَإِنَّ مَا هُوَ لله وَلِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ الْخُمْسَ مِنَ الْمَغَانِمِ كَذَلِكَ لِتِلْكَ الْمَصَارِفِ.
وَقَدْ بَدَا مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ دُولَةً بَيْنَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ فِي انْتِقَالِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ مِثْلُ الْمَوَاتِ، وَالْفَيْءِ، وَاللُّقَطَاتِ، وَالرِّكَازِ، أَوْ كَانَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِثْلَ: الزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَتَخْمِيسِ الْمَغَانِمِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْمَوَارِيثِ، وَعُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي بَيَنَ جَانِبِيِّ مَالٍ وَعَمَلٍ مِثْلِ:
الْقِرَاضِ وَالْمُغَارَسَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَفِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَظْفَرُ بِهَا الظَّافِرُ بِدُونِ عَمَلٍ وَسَعْيٍ مثل:
الْفَيْء والرّكاز، وَمَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَمَّيْتُهُ «مَقَاصِدَ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ» .
وَالدُّولَةُ بِضَمِّ الدَّالِ: مَا يَتَدَاوَلُهُ الْمُتَدَاوِلُونَ. وَالتَّدَاوُلُ: التَّعَاقُبُ فِي التَّصَرُّفِ فِي
شَيْءٍ. وَخَصَّهَا الِاسْتِعْمَالُ بِتَدَاوُلِ الْأَمْوَالِ.