وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ هَاءَهُ مُبْدَلَةً مِنَ الْهَمْزَةِ وَأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي مَعَانِي الْأَمْنِ.
وَفِي «الْمَقْصِدِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى» لِلْغَزَالِيِّ الْمُهَيْمِنُ فِي حَقِّ اللَّهِ:
الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، وَإِنَّمَا قِيَامُهُ عَلَيْهِمْ بِاطِّلَاعِهِ وَاسْتِيلَائِهِ
وَحِفْظِهِ. وَالْإِشْرَافُ، (أَيِ الَّذِي هُوَ الِاطِّلَاعُ) يَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ، وَالِاسْتِيلَاءُ يَرْجِعُ إِلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَالْحِفْظُ يَرْجِعُ إِلَى الْفِعْلِ. وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي اسْمُهُ الْمُهَيْمِنُ وَلَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالِ وَالْإِطْلَاقِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ اهـ. وَفِي هَذَا التَّعْرِيفِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ نَظَرٌ وَلَعَلَّهُ جَرَى مِنْ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ مَجْرَى الِاعْتِبَارِ بِالصِّفَةِ لَا تَفْسِيرِ مَدْلُولِهَا.
وَتَعْقِيبُ الْمُؤْمِنُ بِ الْمُهَيْمِنُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ تَأْمِينَهُ عَنْ ضَعْفٍ أَوْ عَنْ مَخَافَةِ غَيْرِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّ تَأْمِينَهُ لِحِكْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ رَقِيبٌ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحْوَالِ خَلْقِهِ فَتَأْمِينُهُ إِيَّاهُمْ رَحْمَةٌ بِهِمْ.
والْعَزِيزُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ وَلَا يُذِلُّهُ أَحَدٌ، وَلِذَلِكَ فُسِّرَ بِالْغَالِبِ.
والْجَبَّارُ: الْقَاهِرُ الْمُكْرِهُ غَيْرَهُ عَلَى الِانْفِعَالِ بِفِعْلِهِ، فَاللَّهُ جَبَّارُ كُلِّ مَخْلُوق على الانفعال لِمَا كَوَّنَهُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ مَخْلُوقٌ اجْتِيَازَ مَا حَدَّهُ لَهُ فِي خِلْقَتِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ الطَّيَرَانَ وَلَا يَسْتَطِيعُ ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الْمَشْيَ عَلَى رَجْلَيْنِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ هُوَ جَبَّارٌ لِلْمَوْجُودَاتِ عَلَى قَبُولِ مَا أَرَادَهُ بِهَا وَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ قُدْرَتُهُ عَلَيْهَا.
وَإِذَا وُصِفَ الْإِنْسَانُ بِالْجَبَّارِ كَانَ وَصْفَ ذَمٍّ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَحْمِلُ غَيْرَهُ عَلَى هَوَاهُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ [الْقَصَص: ١٩] . فَالْجَبَّارُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مَنْ أَجْبَرَهُ، وَأَمْثِلَةُ الْمُبَالَغَةِ تُشْتَقُّ مِنَ الْمَزِيدِ بِقِلَّةٍ مِثْلِ الْحَكِيمِ بِمَعْنَى الْمُحْكِمِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَمْ أَسْمَعْ فَعَّالًا فِي أَفْعَلَ إِلَّا جَبَّارًا وَدَرَّاكًا. وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ: الْمُجْبِرُ وَالْمُدْرِكُ، وَقِيلَ: الْجَبَّارُ مَعْنَاهُ الْمُصْلِحُ مِنْ جَبَرَ الْكَسْرَ، إِذْا أَصْلَحَهُ، فَاشْتِقَاقُهُ لَا نُذْرَةُ فِيهِ.
والْمُتَكَبِّرُ: الشَّدِيدُ الْكِبْرِيَاءِ، أَيِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالَةِ. وَأَصْلُ صِيغَةِ التَّفَعُّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute