والْخالِقُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَأَصْلُ الْخَلْقِ فِي اللُّغَةِ إِيجَادُ شَيْءٍ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ الْآيَةُ [٤٩] فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَيُطْلَقُ الْخَلْقُ عَلَى مَعْنًى أَخَصَّ مِنْ إِيجَادِ الصُّوَرِ وَهُوَ إِيجَادُ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [ق: ٣٨] . وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْغَالِبُ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْخالِقُ.
قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «الْمُقَدِّرُ لِمَا يُوجِدُهُ» . وَنَقَلَ عَنْهُ فِي بَيَانِ مُرَادِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ:
«لِمَّا كَانَتْ إِحْدَاثَاتُ اللَّهِ مَقْدِرَةً بِمَقَادِيرِ الْحِكْمَةِ عَبَّرَ عَنْ إِحْدَاثِهِ بِالْخَلْقِ» اهـ. يُشِيرُ إِلَى أَنَّ
الْخَالِقَ فِي صِفَةِ اللَّهِ بِمَعْنَى الْمُحَدِثِ الْأَشْيَاءَ عَنْ عَدَمٍ، وَبِهَذَا يَكُونُ الْخَلْقُ أَعَمَّ مِنَ التَّصْوِيرِ. وَيَكُونُ ذِكْرُ الْبارِئُ والْمُصَوِّرُ بَعْدَ الْخالِقُ تَنْبِيهًا عَلَى أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ فِي الْخَلْقِ. قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ [الْأَعْرَاف: ١١] عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْخَلْقُ التَّقْدِيرُ الْمُسْتَقِيمُ وَاسْتُعْمِلَ فِي إِيدَاعِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ وَلَا احْتِذَاءٍ اهـ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ فِي «عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ» عَلَى «سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ» : الْخالِقُ:
الْمُخْرِجُ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ الْمُقَدَّرِ لَهَا عَلَى صِفَاتِهَا (فَخَلَطَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ) ثُمَّ قَالَ: فَالْخَالِقُ عَامٌّ، وَالْبَارِئُ أَخَصُّ مِنْهُ، وَالْمُصَوِّرُ أَخَصُّ مِنَ الْأَخَصِّ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» . وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْمَقْصِدِ الْأَسْنَى» : الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُتَرَادِفَةٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ يَفْتَقِرُ إِلَى تَقْدِيرٍ أَوَّلًا، وَإِلَى الْإِيجَادِ عَلَى وَفْقِ التَّقْدِيرِ ثَانِيًا، وَإِلَى التَّصْوِيرِ بَعْدَ الْإِيجَادِ ثَالِثًا، وَاللَّهُ خَالِقٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُقَدَّرٌ وَبَارِئٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُخْتَرِعٌ مَوْجُودٌ، وَمُصَوَّرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُرَتِّبٌ صُوَرَ الْمُخْتَرَعَاتِ أَحْسَنَ تَرْتِيبٍ اه. فَجَعَلَ الْمَعَانِي مُتَلَازِمَةً وَجَعَلَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا بِالِاعْتِبَارِ، وَلَا أَحْسَبُهُ يَنْطَبِقُ عَلَى مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ.
والْبارِئُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَرَأَ مَهْمُوزًا. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» الْمُمَيَّزُ لِمَا يُوجِدُهُ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ بِالْأَشْكَالِ الْمُخْتَلِفَةِ اه. وَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَعْنَى الْخَالِق بالخصوص. و
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute