وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ تَنْضَوِي صِفَةُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [الْحَشْر: ٢٣] وَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّهَيُّؤِ لِلتَّدَبُّرِ وَالنَّظَرِ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ أَصْلُ الضَّلَالَاتِ، وَالْمُشْرِكُونَ هُمُ الَّذِينَ يُغْرُونَ الْيَهُودَ، وَالْمُنَافِقُونَ بَيْنَ يَهُودٍ وَمُشْرِكِينَ تَسَتَّرُوا بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، فَالشِّرْكُ هُوَ الَّذِي صَدَّ النَّاسَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَسَالِكِ الْهُدَى، قَالَ تَعَالَى: وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: ١٠١] .
وَصِفَةُ عالِمُ الْغَيْبِ [الْحَشْر: ٢٢] فَإِنَّ مِنْ أُصُولِ الشِّرْكِ إِنْكَارَ الْغَيْبِ الَّذِي مِنْ آثَارِهِ إِنْكَارُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَعَلَى الِاسْتِرْسَالِ فِي الْغَيِّ وَأَعْمَالِ السَّيِّئَاتِ وَإِنْكَارِ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ. وَهَذَا نَاظِرٌ إِلَى قَوْله تَعَالَى: لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
[الْأَنْفَال: ١٣] الْآيَةَ.
وَكَذَلِكَ ذِكْرُ صِفَاتِ «الْمَلِكِ، وَالْعَزِيزِ، وَالْجَبَّارِ، وَالْمُتَكَبِّرِ» ، لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ مَا أَنْزَلَهُ بِبَنِي النَّضِيرِ مِنَ الرُّعْبِ وَالْخِزْيِ وَالْبَطْشَةِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مُتَعَلِّقٌ بِمَا اجْتَنَاهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ثَمَرَةِ النَّصْرِ فِي قِصَّةِ بَنِي النَّضِيرِ، وَتِلْكَ صِفَاتُ: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ [الْحَشْر: ٢٣] لِقَوْلِهِ: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ [الْحَشْر: ٦] ، أَيْ لَمْ يَتَجَشَّمِ الْمُسْلِمُونَ لِلْغِنَى مَشَقَّةً وَلَا أَذَى وَلَا قِتَالًا.
وَكَذَلِكَ صفتا الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ [الْحَشْر: ٢٢] لِمُنَاسَبَتِهِمَا لِإِعْطَاءِ حَظٍّ فِي الْفَيْءِ لِلضُّعَفَاءِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مُتَعَلِّقٌ بِمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْفَرِيقَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَيَأْخُذُ كُلُّ فَرِيقٍ حَظَّهُ مِنْهَا، وَهِيَ صِفَاتُ: «الْقُدُّوسِ، الْمُهَيْمِن، الْخَالِق، البارئ، الْمُصَوِّرِ» .
لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.
تَذْيِيلٌ لِمَا عُدِّدَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لَهُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الَّتِي بَعْضُهَا الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا.
وَالْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ الصِّفَاتِ، عَبَّرَ عَنْهَا بِالْأَسْمَاءِ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهَا عَلَى أَلْسِنَةِ خَلْقِهِ وَلِكَوْنِهَا بَالِغَةً مُنْتَهَى حَقَائِقِهَا بِالنِّسْبَةِ لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِهَا فَصَارَتْ كَالْأَعْلَامِ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute