للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَعْدِيَةُ جَاءَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا لِأَنَّهُمِ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِذِلِكَ الْحَقِّ وَتَقَبَّلُوهُ فَكَأَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَإِنَّهُ جَاءَ لِدَعْوَةِ الَّذِينَ آمَنُوا وَالْمُشْرِكِينَ فَقَبِلَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَنَبَذَهُ الْمُشْرِكُونَ.

وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ كُفْرَ الْكَافرين بِهِ ناشىء عَنْ حَسَدِهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَهُمْ.

وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا إِلْهَابٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْذَرُوا مِنْ مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ.

وَجُمْلَةُ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كَفَرُوا، أَيْ لَمْ يَكْتَفُوا بِكُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ مِنَ الْحَقِّ فَتَلَبَّسُوا مَعَهُ بِإِخْرَاج الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِخْرَاجِكُمْ مِنْ بَلَدِكُمْ لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ، أَيْ هُوَ اعْتِدَاءٌ حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ. وَأَنَّ ذَلِكَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ إِيمَانَكُمْ لَا يَضِيرُهُمْ. وَلِذَلِكَ أُجْرِيَ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ وَصْفُ رَبِّكُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الْكَافِرُونَ: ١- ٣] ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الْكَافِرُونَ: ٦] .

وَحُكِيَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِتَصْوِيرِ الْحَالَةِ لَأَنَّ الْجُمْلَةَ لَمَّا وَقَعَتْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ وَقَدْ كَفَرُوا كَانَ إِخْرَاج الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَمَلًا فَظِيعًا، فَأُرِيدَ اسْتِحْضَارُ صُورَةِ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الْعَظِيمِ فَظَاعَةَ اعْتِلَالِهِمْ لَهُ.

وَالْإِخْرَاجُ أُرِيدَ بِهِ: الْحَمْلُ عَلَى الْخُرُوجِ بِإِتْيَانِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ تَضْيِيقٍ عَلَى

الْمُسْلِمِينَ وَأَذًى لَهُمْ.

وَأُسْنِدَ الْإِخْرَاجُ إِلَى ضَمِيرِ الْعَدُوِّ كُلِّهِمْ لَأَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانُوا رَاضِينَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ. وَرُبَّمَا أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ، وَلِذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ مَجَازٌ فِي أَسْبَابِهِ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ.

وَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِمَجْمُوعِهَا لَا تَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَجْمُوعُهَا هُوَ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ مُوَادَّتِهِمْ.

وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تُؤْمِنُوا، لِإِفَادَةِ اسْتِمْرَارِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِثَبَاتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ مَا سَبَّبَ لَهُمُ الْخُرُوجَ مِنْ بِلَادِهِمْ.