للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَحَرْفُ فِي مُسْتَعَارٌ لِقُوَّةِ الْمُلَابَسَةِ إِذْ جَعَلَ تَلَبُّسَ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِكَوْنِهِمْ أُسْوَةً حَسَنَةً، بِمَنْزِلَةِ تَلَبُّسِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ فِي شِدَّةِ التَّمَكُّنِ مِنَ الْوَصْفِ. وَلِذَلِكَ كَانَ الْمَعْنَى:

قَدْ كَانَ لَكُمْ إِبْرَاهِيمُ وَالَّذِينَ مَعَهُ أُسْوَةً فِي حِينِ قَوْلِهِمْ لِقَوْمِهِمْ. فَلَيْسَ قَوْلُهُ: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِيدِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي خَالِدِ العتابي.

وَفِي الرّحمان لِلضُّعَفَاءِ كَافِ (١) لِأَنَّ الْأُسْوَةَ هُنَا هِيَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ لَا أنفسهم.

وبُرَآؤُا بِهَمْزَتَيْنِ بِوَزْنِ فُعَلَاءَ جَمْعُ بَرِيءٍ مِثْلُ كَرِيمِ وَكُرَمَاءَ.

وَبَرِيءٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعل من برىء من شَيْء إِذَا خَلَا مِنْهُ سَوَاءً بَعْدَ مُلَابَسَتِهِ أَوْ بِدُونِ مُلَابَسَةٍ.

وَالْمُرَادُ هُنَا التبرؤ من مخالطتهم وَمُلَابَسَتِهِمْ.. وَعطف عَلَيْهِ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَي من الْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بُرَآءُ مِنْ عِبَادَتِهَا.

وَجُمْلَةُ كَفَرْنا بِكُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بَيَانٌ لِمَعْنَى جملَة إِنَّا بُرَآؤُا.

وَضَمِيرُ بِكُمْ عَائِدٌ إِلَى مَجْمُوعِ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ مَعَ مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيُفَسَّرُ الْكُفْرُ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف، أَيْ كَفَرْنَا بِجَمِيعِكُمْ فَكُفْرُهُمْ بِالْقَوْمِ غَيْرُ كُفْرِهِمْ بِمَا يَعْبُدُهُ قَوْمُهُمْ.

وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً وَبَدَا مَعْنَاهُ: ظَهَرَ وَنَشَأَ، أَيْ أَحْدَثْنَا مَعَكُمُ الْعَدَاوَةَ ظَاهِرَةً لَا مُوَارَبَةَ فِيهَا، أَيْ لَيْسَتْ عَدَاوَةٌ فِي الْقَلْبِ خَاصَّةً بَلْ هِيَ عَدَاوَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَانِيَةٌ بِالْقَوْلِ وَالْقَلْبِ. وَهُوَ أَقْصَى مَا


(١) من شَوَاهِد «الْكَشَّاف» وَصدر الْبَيْت:
وَلَوْلَا هنّ قد سوّمت مهري.
وَقَبله:
لقد زَاد الْحَيَاة إليّ حبّا ... بَنَاتِي إنَّهُنَّ من الضِّعَاف