وَالِامْتِحَانُ: الِاخْتِبَارُ. وَالْمُرَادُ اخْتِبَارُ إِيمَانِهِنَّ.
وَجُمْلَةُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ مُعْتَرِضَةٌ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سَرَائِرَهُنَّ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ أَنْ تَخْتَبِرُوا ذَلِكَ بِمَا تَسْتَطِيعُونَ مِنَ الدَّلَائِلِ.
وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَى مَا قَبْلَ الِاعْتِرَاضِ قَوْلَهُ: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ إِلَخْ، أَيْ إِنْ حَصَلَ لَكُمُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُنَ مُؤْمِنَاتٌ غَيْرُ كَاذِبَاتٍ فِي دَعْوَاهُنَّ. وَهَذَا الِالْتِحَاقُ هُوَ الَّذِي سُمِّيَ الْمُبَايَعَةَ فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ الْآيَة [الممتحنة: ١٢] .
وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَقُولُ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ: غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة: ١٢] وَزَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: كَانَتِ الْمُمْتَحَنَةُ أَنْ تُسْتَحْلَفَ أَنَّهَا مَا خَرَجَتْ بُغْضًا لِزَوْجِهَا، وَلَا رَغْبَةً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، وَلَا الْتِمَاسَ دُنْيَا، وَلَا عِشْقًا لِرَجُلٍ مِنَّا، وَلَا بِجَرِيرَةٍ جَرَّتْهَا بَلْ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا حَلَفَتْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَى ذَلِكَ أعْطى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَهَا مَهْرَهَا وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا. وَكَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِتَوَلِّي تَحْلِيفِهِنَّ فَإِذَا تَبَيَّنَ إِيمَانُ الْمَرْأَةِ لَمْ يردهَا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دَارِ الْكُفْرِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْآيَةِ. فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ
. وَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ مَوْقِعُ الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ لِلنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ تَحْقِيقًا لِوُجُوُبِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَزَوْجِهَا الْكَافِرِ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ النَّهْيِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ إِلَى آخِرِهِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَقُومَ بِتَنْفِيذِهِ مَنْ إِلَيْهِ تَنْفِيذُ أُمُورِ
الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَكُلِّ زَمَانٍ وَهُمْ وُلَاةُ الْأُمُورِ مِنْ أُمَرَاءَ وَقُضَاةٍ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ الْمُسْلِمُونَ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْتِزَامُ الْعَمَلِ بِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَالْتِزَامُ الِامْتِثَالِ لِمَا يُقَرِّرُهُ وُلَاةُ الْأُمُورِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute