لَيْسُوا بِمَحْرَمٍ فَقَالَ عبد الرحمان بْنُ عَوْف: يَا نبيء اللَّهِ إِنَّ لَنَا أَضْيَافًا وَإِنَّا نَغِيبُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:
لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيْتُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَهَاهُنَّ عَنْ تَمْزِيقِ الثِّيَابِ وَخَدْشِ الْوُجُوهِ وَتَقْطِيعِ الشُّعُورِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ
، أَي من شؤون النِّيَاحَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا أَخَذَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ زَوْجُ أَبِي سُفْيَانَ جَالِسَةً مَعَ النِّسَاءِ مُتَنَكِّرَةً خَوْفًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهَا عَلَى شَقِّهَا بَطْنَ حَمْزَةَ وَإِخْرَاجِهَا كَبِدَهُ يَوْمَ أُحُدٍ. فَلَمَّا قَالَ: عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، قَالَتْ هِنْدُ: وَكَيْفَ نَطْمَعُ أَنْ يَقْبَلَ مِنَّا شَيْئًا لَمْ يَقْبَلْهُ مِنَ الرِّجَالِ. فَلَمَّا قَالَ: وَلا يَسْرِقْنَ. قَالَتْ هِنْدُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصِيبُ مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ هَنَاتٍ فَمَا أَدْرِي أَتَحِلُّ لِي أَمْ لَا؟ فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَصَبْتِ مِنْ شَيْءٍ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا غَبَرَ فَهُوَ لَكِ حَلَالٌ. فَضَحِكَ
رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَهَا فَدَعَاهَا فَأَتَتْهُ فَعَاذَتْ بِهِ، وَقَالَتْ: فَاعْفُ عَمَّا سَلَفَ يَا نَبِيءَ اللَّهِ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ. فَقَالَ: وَلا يَزْنِينَ. فَقَالَت: أَو تَزني الْحُرَّةُ. قَالَ: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ.
فَقَالَتْ هِنْدُ: رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتَهُمْ كِبَارًا فَأَنْتُمْ وَهُمْ أَعْلَمُ. تُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَتَلُوا ابْنَهَا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ بَدْرٍ. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ.
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّ الْبُهْتَانَ لَأَمْرٌ قَبِيحٌ وَمَا تَأْمُرُنَا إِلَّا بِالرُّشْدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. فَقَالَ: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا جَلَسْنَا مَجْلِسَنَا هَذَا وَفِي أَنْفُسِنَا أَنْ نَعْصِيَكَ فِي شَيْءٍ
. فَقَوْلُهُ: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ. جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرُ بِهِ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كَانَ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ لَا نَنُوحَ. قَالَتْ: فَقَلَتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا آلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ أُسْعِدَهُمْ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَّا آلَ فُلَانٍ
، وَهَذِهِ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ بِأُمِّ عَطِيَّةَ وَبِمَنْ سَمَّتْهُمْ.
وَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ.
وَقَوْلُهُ: فَبايِعْهُنَّ جَوَابُ إِذا تَفْرِيعٌ عَلَى يُبايِعْنَكَ، أَيْ فَاقْبَلْ مِنْهُنَّ مَا بَايَعْنَكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ عِنْدَهُ مِنْ جَانِبَيْنِ وَلِذَلِكَ صِيغَتْ لَهَا صِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ.
وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، أَيْ فِيمَا فُرِّطَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا خُصَّ بِالنَّهِي فِي شُرُوطِ الْبَيْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ حُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لفعل اسْتَغْفِرْ.