للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَدَرَجَ عَلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» وَالْفَخْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْأَصَحُّ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْمَكِّيُّ.

وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَهَلْ نَزَلَتْ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً مُتَلَاحِقَةً.

وَفِي «جَامِعْ التِّرْمِذِيِّ» «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا: لَوُ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصَّفّ: ١، ٢] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ.

وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارِمِيُّ بِزِيَادَةِ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى خَتَمَهَا أَوْ فَقَرَأَهَا كُلَّهَا

. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ قَبْلَ أَنْ يُخْلِفُوا مَا وَعَدُوا بِهِ فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا مَجَازًا فِي التَّحْذِيرِ مِنْ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرُوهُ وَوَعَدُوا بِهِ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ يَقُولُونَ: لَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دَلَّنَا عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ فَنَعْمَلَ بِهِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ: إِيمَانٌ بِهِ وَجِهَادُ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ الَّذِينَ خَالَفُوا الْإِيمَانَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِهِ. فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَادُ كَرِهَ ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.

وَمِثْلُهُ عَنْ أبي صَالح يَقْتَضِي أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ بِآيَاتِ غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَبَعْدَ أَنْ وَعَدُوا بِالِانْتِدَابِ لِلْجِهَادِ ثُمَّ تَقَاعَدُوا عَنْهُ وَكَرِهُوهُ. وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَوْضَحُ وَأَوْفَقُ بِنَظْمِ الْآيَةِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِيهِ لِلتَّوْبِيخِ وَاللَّوْمِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصَّفّ: ٣] .

وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَا بِهِ فَدَلَّهُمُ اللَّهُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصَّفّ: ٤] ، فَابْتُلُوا يَوْمَ