وَالْعَرْضُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ التَّشْوِيقِ إِلَى الْأَمْرِ الْمَعْرُوضِ، وَهُوَ دَلَالَتُهُ إِيَّاهُمْ عَلَى تِجَارَةٍ نَافِعَةٍ. وَأَلْفَاظُ الِاسْتِفْهَامِ تَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ هِيَ مِنْ مُلَازِمَاتِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ فِي «الْمِفْتَاحِ» ، وَهِيَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيمَا ذَكَرَهُ.
وَجِيءَ بِفِعْلِ أَدُلُّكُمْ لِإِفَادَةِ مَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُهْتَدَى إِلَيْهَا بِسُهُولَةٍ.
وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَفْظُ التِّجَارَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ لِمُشَابَهَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ التِّجَارَةَ فِي طَلَبِ النَّفْعِ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَمُزَاوَلَتِهِ وَالْكَدِّ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦] .
وَوَصْفُ التِّجَارَةِ بِأَنَّهَا تُنْجِي مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ لِقَصْدِ الصَّرَاحَةِ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ لِأَهَمِّيَتِهَا وَلَيْسَ الْإِنْجَاءُ مِنَ الْعَذَابِ مِنْ شَأْنِ التِّجَارَةِ فَهُوَ مِنْ مُنَاسِبَاتِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَجُمْلَةُ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ مُجْمَلٌ وَالتَّشْوِيقُ الَّذِي سَبَقَهَا مِمَّا يُثِيرُ فِي أَنْفُسِ السَّامِعِينَ التَّسَاؤُلَ عَنْ هَذَا الَّذِي تَدُلُّنَا عَلَيْهِ وَعَنْ هَذِهِ التِّجَارَةِ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ الْخِطَابُ لِقَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فَإِنَّ فِعْلَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ مَعَ وَتُجاهِدُونَ مُرَادٌ بِهِ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَيْنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْجِهَادِ. وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْمُضَارِعِ إِفَادَةُ الْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَى الْإِيمَانِ وَتَجْدِيدِهِ فِي كُلِّ آنٍ، وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ وَتَحْذِيرٌ مِنَ التَّغَافُلِ عَنْ مُلَازَمَةِ الْإِيمَانِ وَشُؤُونِهِ.
وَأَمَّا وَتُجاهِدُونَ فَإِنَّهُ لِإِرَادَةِ تَجَدُّدِ الْجِهَادِ إِذَا اسْتُنْفِرُوا إِلَيْهِ.
وَمَجِيءُ يَغْفِرْ مَجْزُومًا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تُؤْمِنُونَ وَتُجاهِدُونَ وَإِنْ جَاءَا فِي صِيغَةِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ الْأَمْرُ لِأَنَّ الْجَزْمَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي جَوَابِ الطَّلَبِ لَا فِي جَوَابِ الْخَبَرِ. قَالَهُ الْمُبَرِّدُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جُزِمَ يَغْفِرْ لِأَنَّهُ جَوَابُ هَلْ أَدُلُّكُمْ، أَيْ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ