للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجُمُعَةِ.

وَقَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بِالتَّوَاتُرِ ثُمَّ تَقَرَّرَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَصَارَ دَلِيلُ وُجُوبِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

وَكَانَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَشْرُوعَةً مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ الْهِجْرَةِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الْأَنْصَارَ جَمَعُوا الْجُمُعَةَ قَبْلَ أَنْ يقدم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: إِنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَلِلنَّصَارَى يَوْمٌ مِثْلُ ذَلِكَ فَتَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ حَتَّى نَجْعَلَ يَوْمًا لَنَا نَذْكُرَ اللَّهَ وَنُصَلِّيَ فِيهِ. وَقَالُوا:

إِنَّ لِلْيَهُودِ السَّبْتَ وَلِلنَّصَارَى الْأَحَدَ فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ. فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ عَلِمَ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّهُمْ بَلَغَهُمْ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ يَوْمُ الْمُسْلِمِينَ.

فَمَشْرُوعِيَّةُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالتَّجْمِيعُ فِيهِ إِجَابَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى رَغْبَةَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ إِجَابَتِهِ رَغْبَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْبَقَرَة: ١٤٤] .

وَأَمَّا أَوَّلُ جُمُعَةٍ جمّعها النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ لِلْهِجْرَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتِي عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِقُبَاءَ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَدْرَكَهُ وَقْتُ الْجُمُعَةِ فِي بَطْنِ وَادٍ لِبَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مَسْجِدٌ، فَجَمَّعَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَخَطَبَ فِيهِ أَوَّلَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ طَوِيلَةٌ ذَكَرَ نَصَّهَا الْقُرْطُبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» .

وَقَوْلُهُمْ: «فَأَدْرَكَهُ وَقْتُ الْجُمُعَةِ» ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ كَانَتْ مَشْرُوعَةً يَوْمَئِذٍ وَأَنَّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَازِمًا أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالْمَدِينَةِ فَضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَأَدَّاهَا فِي مَسْجِدِ بَنِي

سَالِمٍ، ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ الْقَابِلَةَ فِي مَسْجِدِهِ بَالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ جُمُعَةُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ بِالْمَدِينَةِ الثَّانِيَةَ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ.

وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ فِي