قَالُوا: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي حُرٍّ مُقِيمٍ صَلَّى الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ: لَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَبْطُلْ فَرْضُهُ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْطُلُ ظُهْرُهُ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ إِلَّا إِذَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا، خَرَجَ إِلَيْهَا أَمْ لَا (يَعْنِي فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا آخَرَ) .
وَالنِّدَاءُ لِلصَّلَاةِ: الْأَذَانُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَذَانُ الظُّهْرِ وَرَدَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عهد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ زَادَ أَذَانًا عَلَى الزَّوْرَاءِ (الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ) . وَرُبَّمَا وُصِفَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالْأَذَانِ الثَّانِي.
وَمَعْنَى كَوْنِهِ ثَانِيًا أَنَّهُ أَذَانٌ مُكَرَّرٌ لِلْأَذَانِ الْأَصْلِيِّ فَهُوَ ثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلَا يُرِيد أَن يُؤَذَّنُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَذَانِ الَّذِي يُؤَذَّنُ بِهِ وَقْتَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَيْ يُؤَذَّنُ بِهِ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ يَوْمَئِذٍ صَوْمَعَةٌ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَصْفُهُ بِالنِّدَاءِ الثَّالِثِ وَإِنَّمَا يُعْنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ ثَالِثٌ بِضَمِيمِهِ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ. وَلَا يُرَادُ أَنَّ النَّاسَ يُؤَذِّنُونَ أَذَانَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا زَادَهُ عُثْمَانُ لِيَسْمَعَ النِّدَاءَ مَنْ فِي أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ، وَرُبَّمَا سَمَّوْهُ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَحْقِيقِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ هَذَا الْأَذَانَ الثَّانِي يُؤَذَّنُ بِهِ عَقِبَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ عِبَارَاتِ الرِّوَايَاتِ وَالرُّوَاةِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذَّنُ بِأَذَانِ الزَّوْرَاءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِمَامُ فَيُؤَذَّنُ بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَارِضَةِ» : «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ زَادَ النِّدَاءَ عَلَى الزَّوْرَاءِ لِيَشْعُرَ النَّاسُ بِالْوَقْتِ فَيَأْخُذُوا بِالْإِقْبَالِ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ عُثْمَانُ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ الثَّانِي الَّذِي كَانَ أَوَّلًا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْطُبُ. ثُمَّ يُؤَذَّنُ الثَّالِثُ يَعْنِي بِهِ الْإِقَامَةَ» اه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute