أَيْ أَصَابَهُنَّ سُمٌّ فَقَتَلَهُنَّ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ.
وَقَدْ كَانَ لِلْمِصْرِيِّينَ وَالْكِلْدَانِ حَجٌّ إِلَى الْبُلْدَانِ الْمُقَدَّسَةِ عِنْدَهُمْ، وَلِلْيُونَانِ زِيَارَاتٌ كَثِيرَةٌ لِمَوَاقِعَ مُقَدَّسَةٍ مِثْلَ أُولُمْبِيَا وَهَيْكَلِ (زِفِسْ) وَلِلْهُنُودِ حُجُوجٌ كَثِيرَةٌ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِتْمَامُ الْعُمْرَةِ الَّتِي خَرَجُوا لِقَضَائِهَا، وَذِكْرُ الْحَجِّ مَعَهَا إِدْمَاجٌ (١) ، لِأَنَّ الْحَجَّ لَمْ يَكُنْ قَدْ وَجَبَ يَوْمَئِذٍ، إِذْ كَانَ الْحَجُّ بِيَدِ الْمُشْرِكِينَ فَفِي ذِكْرِهِ بِشَارَةٌ بِأَنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَصِيرَ فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّعْمِيرِ وَهُوَ شَغْلُ الْمَكَانِ ضِدُّ الْإِخْلَاءِ وَلَكِنَّهَا بِهَذَا الْوَزْنِ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى زِيَارَةِ الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَكَانُوا يَجْعَلُونَ مِيقَاتَهَا مَا عَدَا أَشْهُرَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، فَكَانُوا يَقُولُونَ «إِذَا بَرِئَ الدُّبُرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَخَرَجَ صَفَرٌ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ» وَلَعَلَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ لِتَكُونَ الْعُمْرَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحَجِّ وَإِرَاحَةِ الرَّوَاحِلِ.
وَاصْطَلَحَ الْمُضَرِيُّونَ عَلَى جَعْلِ رَجَبٍ هُوَ شَهْرُ الْعُمْرَةِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَتْهُ مُضَرٌ فَلُقِّبَ بِرَجَبِ مُضَرٍ، وَتَبِعَهُمْ بَقِيَّةُ الْعَرَبِ، لِيَكُونَ الْمُسَافِرُ لِلْعُمْرَةِ آمِنًا مِنْ عَدُوِّهِ وَلِذَلِكَ لَقَّبُوا رَجَبًا (مُنْصِلَ الْأَسِنَّةِ) وَيَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فُجُورًا.
وَقَوْلُهُ لِلَّهِ أَيْ لِأَجْلِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْعَرَبُ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَنْوُونَ الْحَجَّ إِلَّا لِلَّهِ وَلَا الْعُمْرَةَ إِلَّا لَهُ، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ بَيْتُ اللَّهِ وَحَرَمُهُ، فَالتَّقْيِيدُ هُنَا بِقَوْلِهِ لِلَّهِ تَلْوِيحٌ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَيْسَا لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ وَكَانُوا هُمْ سَدَنَةَ الْحَرَمِ، وَهُمُ الَّذِينَ مَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، كَيْ لَا يَسْأَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْحَجِّ الَّذِي لَاقَوْا فِيهِ أَذَى الْمُشْرِكِينَ، فَقِيلَ لَهُمْ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصُدُّ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّكُمْ إِنَّمَا تَحُجُّونَ لِلَّهِ لَا لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الصَّالِحَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ إِذَا حَفَّ بِهِ مَا يكدره لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَارِفًا عَنْهُ، بَلْ يَجِبُ إِزَالَةُ ذَلِكَ الْعَارِضِ عَنْهُ، وَمِنْ طُرُقِ إِزَالَتِهِ الْقِتَالُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِالْآيَاتِ السَّابِقَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: لِلَّهِ لِتَجْرِيدِ النِّيَّةِ مِمَّا كَانَ يُخَامِرُ نَوَايَا النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى الْأَصْنَامِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا وَضَعُوا هُبَلًا عَلَى الْكَعْبَةِ وَوَضَعُوا إِسَافًا وَنَائِلَةَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْ أَشْرَكُوا بِطَوَافِهِمْ وَسَعْيِهِمُ الْأَصْنَامَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ يَكُونُ الْقَصْدُ مِنْ هَذَا التَّقْيِيدِ كِلْتَا الْفَائِدَتَيْنِ.
(١) فِي «كشاف اصْطِلَاحَات الْفُنُون» للتهانوي، مَادَّة إدماج، ج (١/ ٤٦٤) : الإدماج فِي اصْطِلَاح يهل البديع: أَن يضمن كَلَام سيق لمعنء» ، معنى آخر، وَهَذَا الْمَعْنى الآخر يجب أَن لَا يكون مُصَرحًا بِهِ وَلَا يكون فِي الْكَلَام إِشْعَار بِأَنَّهُ مسوق لأَجله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute