وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الِاقْتِرَابِ وَلِذَلِكَ فَسَّرُوهُ بِمَعْنَى (عِنْدَ) ، وَيُفِيدُ هُنَا: أَنَّهُمْ مَجْمُوعُونَ فِي الْأَجَلِ الْمُعَيَّنِ دُونَ تَأْخِيرٍ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن: ٧] ، فَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ:
لِيَوْمِ الْجَمْعِ بِفِعْلِ يَجْمَعُكُمْ.
فِ «يَوْمَ الْجَمْعِ» هُوَ يَوْمُ الْحَشْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ»
إِلَخْ.
جُعِلَ هَذَا الْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ لَقَبًا لِيَوْمِ الْحَشْرِ، قَالَ تَعَالَى: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: ٧] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَجْمَعُكُمْ بياء الْغَائِب. وقرأه يَعْقُوبُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ.
ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ.
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ [التغابن: ٧] بِمُتَعَلِّقِهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ اعْتِرَاضًا يُفِيدُ تَهْوِيلَ هَذَا الْيَوْمَ تَعْرِيضًا بِوَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِالْخَسَارَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: أَيْ بِسُوءِ الْمُنْقَلَبِ.
وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي مَقَامِ الضَّمِيرِ لقصد الاهتمام بِهَذَا الْيَوْم بِتَمْيِيزِهِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ مَعَ مَا يفِيدهُ اسْمُ إِشَارَةِ الْبَعِيدِ مِنْ عُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ الْكِتابُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
والتَّغابُنِ: مَصْدَرُ غَابَنَهُ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْ جَانِبَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
وَحَقِيقَةُ صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى حُصُولِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِنْ فَاعِلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ.
وَالْغَبْنُ أَنْ يُعْطَى البَائِع ثمنا لمبيعه دُونَ حَقِّ قِيمَتِهِ الَّتِي يُعَوِّضُ بِهَا مثله.
فالغبن يؤول إِلَى خَسَارَةِ الْبَائِعِ فِي بَيْعِهِ، فَلِذَلِكَ يُطْلَقُ الْغَبْنُ عَلَى مُطْلَقِ الْخُسْرَانِ مَجَازًا مُرْسَلًا كَمَا فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
لَا يَقْبَلُ الرِّشْوَةَ فِي حُكْمِهِ ... وَلَا يُبَالِي غَبْنَ الْخَاسِرِ