للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعِشْرُونَ: مَا فِي ذِكْرِ حَفْصَةَ أَوْ غَيْرِهَا بِعُنْوَانِ بَعْضِ أَزْواجِهِ دُونَ تَسْمِيَتِهِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ فِي الْمَلَامِ بِذِكْرِ مَا تَسْتَشْعِرُ بِهِ أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِاللَّوْمِ.

وَإِنَّمَا نبّأها النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ عَلِمَ إِفْشَاءَهَا الْحَدِيثَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ الْمَوْعِظَةَ وَالتَّأْدِيبَ فَإِنَّ اللَّهَ مَا أَطْلَعَهُ عَلَى إِفْشَائِهَا إِلَّا لِغَرَضٍ جَلِيلٍ.

وَالْحَدِيثُ هُوَ مَا حَصَلَ مِنِ اختلاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَتِهِ مَارِيَةَ وَمَا دَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَفْصَةَ

وَقَوْلُهُ لِحَفْصَةَ: «هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ»

وَكَانَتَا مُتَصَافِيَتَيْنِ وَأَطْلَعَ الله نبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ حَفْصَةَ أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا أَسَرَّ إِلَيْهَا.

وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ قِصَّةً عَلَى قِصَّةٍ لِأَنَّ قِصَّةَ إِفْشَاءِ حَفْصَةَ السِّرَّ غَيْرُ قِصَّةِ تَحْرِيم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ بَعْضَ مَا أُحِلَّ لَهُ.

وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الَّتِي أَسَرَّ إِلَيْهَا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ هِيَ حَفْصَةُ وَيَأْتِي أَنَّ الَّتِي نَبَّأَتْهَا حَفْصَةُ هِيَ عَائِشَةُ. وَفِي «الصَّحِيحِ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ وَسَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا.

وَأَصْلُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ عَلَى الْكَلَامِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَدَثَانِ فَالَّذِي حَدَثَ هُوَ الْفِعْل وَنَحْوه ثمَّ شَاعَ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً فِي الْخَبَرِ عَنْهُ وَصَارَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْحَادِثَةِ هُوَ الْمَجَازُ فَانْقَلَبَ حَالُ وَضْعِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ.

وأَسَرَّ أَخْبَرَ بِمَا يُرَادُ كِتْمَانُهُ عَنْ غَيْرِ الْمُخْبِرِ أَوْ سَأَلَهُ عَدَمَ إِفْشَاءِ شَيْءٍ وَقَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِخْبَارًا وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ أَوِ الْفِعْلُ يُرَادُ عَدَمُ فَشَوِّهِ فَيَقُولُهُ صَاحِبُهُ سِرًّا وَالسِّرُّ ضِدُّ الْجَهْرِ، قَالَ تَعَالَى: وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ [التغابن: ٤] فَصَارَ أَسَرَّ يُطْلَقُ

بِمَعْنَى الْوِصَايَةِ بِعَدَمِ الْإِفْشَاءِ، أَيْ عَدَمِ الْإِظْهَارِ قَالَ تَعَالَى: فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ [يُوسُف: ٧٧] .

وَأَسَرَّ: فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ السِّرِّ فَإِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلْجَعْلِ، أَيْ جَعَلَهُ ذَا سِرًّ، يُقَالُ: أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ، إِذَا كَتَمَ سِرَّهُ. وَيُقَالُ: أَسَرَّ إِلَيْهِ، إِذَا حَدَّثَهُ بِسِرٍّ فَكَأَنَّهُ