للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَيْرَهُ فَيَغْلِبُهُ الْغَيْرُ وَيَكْشِفُ أَمْرَهُ.

فَالْإِظْهَارُ هُنَا مِنَ الظُّهُورِ بِمَعْنَى الِانْتِصَارِ. وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الظُّهُورِ ضِدَّ الْخَفَاءِ، لِأَنَّهُ لَا

يَتَعَدَّى بِحَرْفِ (عَلَى) .

وَضَمِيرُ عَلَيْهِ عَائِد إِلَى الْإِنْبَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ نَبَّأَتْ بِهِ أَوْ عَلَى الْحَدِيثِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: نَبَّأَتْ بِهِ تَقْدِيرُهُ: أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى إِفْشَائِهِ.

وَهَذَا تَنْبِيهٌ إِلَى عِنَايَةِ الله بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتِصَارِهِ لَهُ لِأَنَّ إِطْلَاعَهُ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ مِمَّا يُهِمُّهُ، عِنَايَةٌ وَنُصْحٌ لَهُ.

وَهَذَا حَاصِلُ الْمَعْنَى الثَّالِثِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْآيَاتُ وذكرناها آنِفا.

ومعفول عَرَّفَ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، أَيْ عَرَّفَهَا بَعْضَهُ، أَيْ بَعْضَ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْرَضَ عَنْ تَعْرِيفِهَا بِبَعْضِهِ. وَالْحَدِيثُ يَحْتَوِي عَلَى أَشْيَاءَ: اخْتِلَاءُ النَّبِيءِ بِسُرِّيَّتِهِ مَارِيَةَ، وَتَحْرِيمُهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَتَنَاوُلُهُ الْعَسَلَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ، وَتَحْرِيمُهُ الْعَوْدَةَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا قَدْ تَخَلَّلَ ذَلِكَ كَلَامٌ فِي وَصْفِ عُثُورِ حَفْصَةِ عَلَى ذَلِكَ بَغْتَةً، أَوْ فِي التَّطَاوُلِ بِأَنَّهَا اسْتَطَاعَتْ أَنْ تُرِيحَهُنَّ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى مَارِيَةَ. وَإِنَّمَا عرّفها النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ لِيُوقِفُهَا عَلَى مُخَالَفَتِهَا وَاجِبَ الْأَدَبِ مِنْ حَفْظِ سِرِّ زَوْجِهَا.

وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الرَّابِعُ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي سَبَقَتْ إِشَارَتِي إِلَيْهَا.

وإعراض الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَعْرِيفِ زَوْجِهِ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ مِنْ كرم خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُعَاتَبَةِ الْمُفْشِيَةِ وَتَأْدِيبِهَا إِذْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِأَنْ يُعْلِمَ بَعْضَ مَا أَفْشَتْهُ فَتُوقِنَ أَنَّ اللَّهَ يَغَارُ عَلَيْهِ.

قَالَ سُفْيَانُ: مَا زَالَ التَّغَافُلُ مِنْ فِعْلِ الْكِرَامِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمَقْصُودِ بِقَلْبِ الْعِتَابِ مِنْ عِتَابٍ إِلَى تَقْرِيعٍ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الْخَامِسُ مِنْ مَقَاصِدِ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا.

وَقَوْلُهَا: مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثِقَتِهَا بِأَنَّ عَائِشَةَ لَا تُفْشِي سِرَّهَا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَا قبل للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِ عَائِشَةَ أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ فَرَامَتِ التَّحَقُّقَ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ.