للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ هَدْيٌ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، لِأَنَّهُمْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي إِعَادَةِ الْعُمْرَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:

الْإِشَارَةُ إِلَى جَمِيعِ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ وَوُجُوبُ الْهَدْيِ، فَهُوَ لَا يَرَى التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ.

وَحَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ أَهْلُ بَلْدَةِ مَكَّةَ وَمَا جَاوَرَهَا، وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ مَا جَاوَرَهَا فَقَالَ مَالِكٌ: مَا اتَّصَلَ بِمَكَّةَ ذَلِك مِنْ ذِي طوى وَهُوَ عَلَى أَمْيَالٍ قَلِيلَةٍ مِنْ مَكَّةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَنَسَبَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَى مَالِكٍ وَغَلَّطَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ عَرَفَةَ، وَمَرٍّ، وَعُرَنَةَ، وَضَجْنَانَ، وَالرَّجِيعِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَهْلُ مَكَّةَ، وَذِي طُوًى، وَفَجٍّ، وَمَا يَلِي ذَلِك. وَقَالَ طَاوُوس: حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كُلُّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْحَرَمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُمْ مَنْ كَانُوا دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ سَوَاءٌ كَانُوا مَكِّيِّينَ أَوْ غَيْرَهُمْ سَاكِنِي الْحَرَمِ أَوِ الْحِلِّ.

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

وِصَايَةٌ بِالتَّقْوَى بَعْدَ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَخْلُو عَن مَشَقَّةٍ لِلتَّحْذِيرِ مِنَ التَّهَاوُنِ بِهَا، فَالْأَمْرُ بِالتَّقْوَى عَامٌّ، وَكَوْنُ الْحَجِّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمُومِ وَهُوَ أَجْدَرُ أَفْرَادِ الْعُمُومِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ افْتُتِحَ بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا اهْتِمَامًا بِالْخَبَرِ فَلَمْ يَقْتَصِرْ بِأَنْ يُقَالَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَحَصَلَ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ مِنَ الْخَبَرِ، لَكِن لَمَّا أُرِيدَ تَحْقِيقُ الْخَبَرِ افْتُتِحَ بِالْأَمْرِ بِالْعِلْمِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ، فَأَفَادَ مُفَادَ إِنَّ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَة