للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى تَبْرِئَتِهَا مِمَّا رَمَاهَا بِهِ الْقَوْمُ الْبُهْتُ.

وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ [النُّور: ٢٦] .

وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ هِيَ بَعْضُ مَنْ قَنَتَ لِلَّهِ. وَغَلَبَتْ صِيغَةُ جَمْعِ الذُّكُورِ وَلَمْ يَقُلْ: مِنَ الْقَانِتَاتِ، جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ التغليب وَهُوَ من تَخْرِيجُ الْكَلَامِ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِثَالٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي.

وَنُكْتَتُهُ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهَا فِي عِدَادِ أَهْلِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَأَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُنَّ مَعْفَيَاتٍ مِنْ عبادات كَثِيرَة.

ووصفت مَرْيَمَ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ بِتِلْكَ الصِّلَةِ مِنْ قَصَّتِهَا الْمَعْرُوفَةِ مِنْ تَكَرُّرِ ذِكْرِهَا فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَفِي ذِكْرِ الْقانِتِينَ إِيمَاءٌ إِلَى مَا أَوْصَى اللَّهُ بِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ [الْأَحْزَاب: ٣١] الْآيَةَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَكِتَابِهِ. وَقَرَأَهُ حَفْصٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَكُتُبِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، أَيْ آمَنَتْ بِالْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ عِيسَى وَهِي «التَّوْرَاة» و «الزبُور» وَكُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بني إِسْرَائِيل، و «الْإِنْجِيل» إِنْ كَانَ قَدْ كَتَبَهُ الْحَوَارِيُّونَ فِي حَيَاتهَا.

الْجُزْء التَّاسِع وَالْعشْرُونَ