للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِنَفْخَةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ تَكْرِيرٍ تَعْجِيبًا عَنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَنُفُوذِ أَمْرِهِ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ مِنْ مَبْدَأِ السُّورَةِ تَهْوِيلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَعْدَادُ أَهْوَالِهِ مَقْصُودٌ، وَلِأَجْلِ الْقَصْدِ إِلَيْهِ هُنَا لَمْ يذكر وصف وَاحِد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ

فِي سُورَةِ الرُّومِ [٢٥] .

فَحَصَلَ مِنْ ذِكْرِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ تَأْكِيدُ مَعْنَى النَّفْخِ وَتَأْكِيدُ مَعْنَى الْوَحْدَةِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ مَا رُوِيَ عَنْ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» فِي تَقْرِيرِهِ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوَصْفِهَا

بِ واحِدَةٌ أَنَّهَا غَيْرُ مُتْبَعَةٍ بِثَانِيَةٍ فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ حُصُولُ الْمُرَادِ مِنْهَا إِلَى تَكَرُّرِهَا كِنَايَةً عَنْ سُرْعَةِ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ، أَيْ يَوْمِ الْوَاقِعَةِ.

وَأَمَّا ذِكْرُ كَلِمَةِ نَفْخَةٌ فَلِيَتَأَتَّى إِجْرَاءُ وَصْفِ الْوَحْدَةِ عَلَيْهَا فَذِكْرُ نَفْخَةٌ تَبَعٌ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ الْكَلَامُ فَتَكُونُ هَذِهِ النَّفْخَةُ هِيَ الْأُولَى وَهِيَ الْمُؤْذِنَةُ بِانْقِرَاضِ الدُّنْيَا ثُمَّ تَقَعُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ بَعْثِ الْأَمْوَاتِ.

وَجُمْلَةُ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ إِلَخْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ لِأَنَّ دَكَّ الْأَرْضِ وَالْجِبَالِ قَدْ يَحْصُلُ قَبْلَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ لِأَنَّ بِهِ فَنَاءَ الدُّنْيَا.

وَمَعْنَى حُمِلَتِ: أَنَّهَا أُزِيلَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا بِأَنْ أُبْعِدَتِ الْأَرْضُ بِجِبَالِهَا عَنْ مَدَارِهَا الْمُعْتَادِ فَارْتَطَمَتْ بِأَجْرَامٍ أُخْرَى فِي الْفَضَاءِ فَدُكَّتا، فَشُبِّهَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ بِحَمْلِ الْحَامِلِ شَيْئًا لِيُلْقِيَهُ عَلَى الْأَرْضِ، مِثْلُ حَمْلِ الْكُرَةِ بَيْنَ الْلَّاعِبِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِنَقْضِ نِظَامَ الْعَالَمِ فِي الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ بِإِبْعَادِهَا عَنْ مَدَارِهَا مُشَبَّهًا بِالْحَمْلِ وَذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ اخْتِلَالِ الْجَاذِبِيَّةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِحِفْظِ نِظَامَ الْعَالَمِ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالدَّكُّ: دَقٌّ شَدِيدٌ يَكْسِرُ الشَّيْءَ الْمَدْقُوقَ، أَيْ فَإِذَا فُرِّقَتْ أَجْزَاءُ الْأَرْضِ وَأَجْزَاءُ جِبَالِهَا.

وَبُنِيَتْ أَفْعَالُ نُفِخَ، وحُمِلَتِ، وفَدُكَّتا لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مُتَعَلِّقٌ بِبَيَانِ الْمَفْعُولِ لَا الْفَاعِلِ وَفَاعِلُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ إِمَّا الْمَلَائِكَةُ أَوْ مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ، وَالْكُلُّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ.