عِقَابًا، وَإِنَّ نُكْتَةَ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّعَجُّبِ مِنْ عَدَمِ رَجَاءِ الثَّوَابِ: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَهُ أَهْلُ الرَّشَادِ وَالتَّقْوَى.
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِذْ صَدَّرَ بِقَوْلِهِ: مَا لَكُمْ لَا تَكُونُونَ عَلَى حَالٍ تَأْمُلُونَ فِيهَا تَعْظِيمَ اللَّهِ إِيَّاكُمْ فِي دَارِ الثَّوَابِ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ كِنَايَةً تَلْوِيحِيَّةً عَنْ حَثِّهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَخَوْفَ عِقَابِهِ لِأَنَّ مَنْ رَجَا تَعْظِيمَ اللَّهِ إِيَّاهُ آمَنَ بِهِ وَعَبَدَهُ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ.
وَعَلَى تَأْوِيلِ مَعْنَى الرَّجَاءِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: مَعْنَى لَا تَرْجُونَ لَا تُبَالُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً، قَالَ قُطْرُبٌ: هَذِهِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ لِمُضَرَ وَهُذَيْلٍ وَخُزَاعَةَ يَقُولُونَ: لَمْ أَرْجُ أَيْ لَمْ أُبَالِ، وَقَالَ الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعْنَى لَا تَرْجُونَ لَا تَعْلَمُونَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: لَا تَرَوْنَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهَا نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ، فَأَجَابَهُ أَنَّ الرَّجَاءَ بِمَعْنَى الْخَوْفِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا ... وَحَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلُ
أَيْ لَمْ يَخَفْ لَسْعَهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى اشْتِيَارِ الْعَسَلِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا يُوضَعُ الرَّجَاءُ مَوْضِعَ الْخَوْفِ لِأَنَّ مَعَ الرَّجَاءِ طَرَفًا مِنَ الْخَوْفِ مِنَ النَّاسِ وَمِنْ ثَمَّ اسْتُعْمِلَ الْخَوْفُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ الْآيَة [الْبَقَرَة: ٢٢٩] ، وَالْمَعْنَى: لَا تَخَافُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ وَقُدْرَتَهُ بِالْعُقُوبَةِ.
وَعَلَى تَأْوِيلِ الْوَقَارِ قَالَ قَتَادَةُ: الْوَقَارُ: الْعَاقِبَةُ، أَيْ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةً، أَيْ عَاقِبَةَ الْإِيمَانِ، أَيْ أَنَّ الْكَلَامَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّوْبِيخِ عَلَى تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَجَعَلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: الْوَقَارَ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الْأَحْزَاب:
٣٣] أَيْ اثْبُتْنَ، وَمَعْنَاهُ مَا لَكُمْ لَا تُثْبِتُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ.
وَتَتَرَكَّبُ مِنْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ مَعَانٍ أُخْرَى مِنْ كَوْنِ الْوَقَارِ مُسْندًا فِي التَّقْدِير إِلَى فَاعِلِهِ أَوْ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَهِيَ لَا تَخْفَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لِلَّهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِ تَرْجُونَ، وَيَجُوزُ فِي بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ الْمَاضِيَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ وَقاراً: إِمَّا تَعَلُّقَ فَاعِلِ الْمَصْدَرِ بِمَصْدَرِهِ فَتَكُونُ اللَّامُ