للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْيَوْمَانِ بَعْدَهُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فَقَطْ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ [الْحَج: ٢٨] لِأَنَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ لَا نَحْرَ فِيهِ وَلَا ذَبْحَ إِجْمَاعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَلَيْسَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ عِنْدَهُمَا مَعْلُومًا وَلَا مَعْدُودًا، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعْدُودَاتٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى طَلَبِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَهُوَ الذِّكْرُ عِنْدَ الرَّمْيِ وَعِنْدَ نَحْرِ الْهَدَايَا.

وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَشْغَلُونَهَا بِالتَّفَاخُرِ وَمُغَازَلَةِ النِّسَاءِ، قَالَ الْعَرَجِيُّ:

مَا نَلْتَقِي إِلَّا ثَلَاثَ مِنَى ... حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَنَا النَّفْرُ

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:

بَدَا لِي مِنْهَا مِعْصَمٌ حِينَ جمّرت ... وكفّ خصيب زيّنت ببنان

فو الله مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِيًا ... بِسَبْعٍ رَمَيْتُ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ

لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَجَّ قَدِ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الْعَاشِرِ، بَعْدَ أَنْ أَمْسَكُوا عَنْ مَلَاذِّهِمْ مُدَّةً طَوِيلَةً فَكَانُوا يَعُودُونَ إِلَيْهَا، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا، وَذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا هُوَ ذِكْرُهُ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ.

وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ الثَّلَاثَةُ تُرْمَى الْجِمَارُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُبْتَدَأُ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ تُرْمَى الْجَمْرَتَانِ الْأُخْرَيَانِ كُلُّ جَمْرَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُكَبَّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَآخِرُهَا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، وَفِي أَحْكَامِ الرَّمْيِ وَوَقْتِهِ وَعَكْسِ الِابْتِدَاءِ فِيهِ بِجَمْرَةِ مَسْجِدِ مِنَى وَالْمَبِيتِ بِغَيْرِ مِنَى خِلَافَاتٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ فِي مِنَى فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَاجِبَةٌ فَلَيْسَ لِلْحَاجِّ أَنْ يَبِيتَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي إِلَّا فِي مِنَى، وَمَنْ لَمْ يَبِتْ فِي مِنَى فَقَدْ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلَا يُرَخَّصُ فِي الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ مِنَى إِلَّا لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمَغِيبَ عَنْ مِنَى فَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ