لِلْعَبَّاسِ الْمَبِيتَ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ أَنَّهُ عَلَى سِقَايَةِ زَمْزَمَ، وَرَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِمْ إِلَى رَعْيِ الْإِبِلِ فِي الْمَرَاعِي الْبَعِيدَةِ عَنْ مِنَى وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ أَنْ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَرْجِعُوا مِنَ الْغَدِ فَيَرْمُونَ، وَرَخَّصَ لِلرِّعَاءِ الرَّمْيَ بِلَيْلٍ، وَرَخَّصَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِمَنْ تَعَجَّلَ إِلَى وَطَنِهِ أَنْ يَتْرُكَ الْإِقَامَةَ بِمِنَى الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ.
وَقَوْلُهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ تَفْرِيعٌ لَفْظِيٌّ لِلْإِذْنِ بِالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ حُضُورِ بَعْضِ أَيَّامِ مِنَى لِمَنْ أَعْجَلَهُ الرُّجُوعُ إِلَى وَطَنِهِ، وَجِيءَ بِالْفَاءِ لِتَعْقِيبِ ذِكْرِ الرُّخْصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَزِيمَةِ رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى بِعِبَادِهِ.
وَفِعْلَا تَعَجَّلَ وتَأَخَّرَ: مُشْعِرَانِ بِتَعَجُّلٍ وَتَأَخُّرٍ فِي الْإِقَامَةِ بِالْمَكَانِ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ اسْمُ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، فَالْمُرَادُ، مِنَ التَّعَجُّلِ عَدَمُ اللُّبْثِ وَهُوَ النَّفْرُ عَنْ مِنَى وَمِنَ التَّأَخُّرِ اللُّبْثُ فِي مِنَى إِلَى يَوْمِ نَفْرِ جَمِيعِ الْحَجِيجِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ تَعَجَّلَ وتَأَخَّرَ مَعْنَاهُمَا مُطَاوَعَةُ عَجَّلَهُ وَأَخَّرَهُ فَإِنَّ التَّفَعُّلَ يَأْتِي لِلْمُطَاوَعَةِ كَأَنَّهُ عَجَّلَ نَفْسَهُ فَتَعَجَّلَ وَأَخَّرَهَا فَتَأَخَّرَ فَيَكُونُ الْفِعْلَانِ قَاصِرَيْنِ لَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ لَهُمَا وَلَكِنَّ الْمُتَعَجَّلَ عَنْهُ وَالْمُتَأَخَّرَ إِلَيْهِ مَفْهُومَانِ مِنِ اسْمِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، أَيْ تَعَجُّلِ النَّفْرِ وَتَأَخُّرِ النَّفْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ التَّفَعُّلِ فِي الْفِعْلَيْنِ لِتَكَلُّفِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ اضْطُرَّ إِلَى الْعَجَلَةِ أَوْ إِلَى التَّأَخُّرِ فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا لِظُهُورِهِ أَيْ فَمَنْ تَعَجَّلَ النَّفْرَ وَمَنْ تَأَخَّرَهُ.
فَقَوْلُهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْمَعْنَى فِي نَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يُشْكِلُ بِأَنَّ نَفْيَ الْإِثْمِ يَقْتَضِي تَوَهُّمَ حُصُولِهِ فَيَصِيرُ التَّأَخُّرُ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ رُخْصَةً مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْعَزِيمَةُ، وَدُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا عَلَى فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يُبِيحُونَ التَّعْجِيلَ، وَفَرِيقٌ يُبِيحُونَ التَّأْخِيرَ إِلَى الرَّابِعِ فَوَرَدَتِ الْآيَةُ لِلتَّوْسِعَةِ فِي الْأَمْرَيْنِ، أَوْ تَجْعَلُ مَعْنَى نَفْيِ الْإِثْمِ فِيهِمَا كِنَايَةً عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَلَا مَانِعَ فِي الْكَلَامِ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ كَمَا خُيِّرَ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ.
وَعِنْدِي أَنَّ وَجْهَ ذِكْرِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي أَيَّامِ مِنَى وَتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الِاشْتِغَالِ فِيهَا بِالْفُضُولِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ خِيفَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ التَّعْجِيلَ بِالنَّفْرِ أَوْلَى تباعدا من مُوَاقَعَةِ مَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute