للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مِنْ) رَسُولٍ بَيَانٌ لِإِبْهَامِ مَنِ الْمَوْصُولَةِ، فَدَلَّ على أَن مَا صدق مَنِ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّسُلِ، أَيْ إِلَّا الرُّسُلَ الَّذِينَ ارْتَضَاهُمْ، أَيْ اصْطَفَاهُمْ.

وَشَمَلَ رَسُولٍ كُلَّ مُرْسَلٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَشْمَلُ الْمَلَائِكَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَى الرُّسُلِ بِإِبْلَاغِ وَحْيٍ إِلَيْهِمْ مِثْلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَشَمَلَ الرُّسُلَ مِنَ الْبَشَرِ الْمُرْسَلِينَ إِلَى النَّاسِ بِإِبْلَاغِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ مِنْ شَرِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا بِهِ صَلَاحُهُمْ.

وَهُنَا أَرْبَعَةُ ضَمَائِرِ غَيْبَةٍ:

الْأَوَّلُ ضَمِيرُ فَإِنَّهُ وَهُوَ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَالثَّانِي الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يَسْلُكُ وَهُوَ لَا مَحَالَةَ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا عَادَ إِلَيْهِ

ضَمِيرُ فَإِنَّهُ.

وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ ضَمِيرَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَهُمَا عَائِدَانِ إِلَى رَسُولٍ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ يَسْلُكُ أَيْ يُرْسِلُ لِلرَّسُولِ رَصَدًا مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، أَيْ مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيَاطِينِ إِلَيْهِ مَا يَخْلِطُ عَلَيْهِ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْبِهِ.

وَالسَّلْكُ حَقِيقَتُهُ: الْإِدْخَالُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [١٢] .

وَأُطْلِقَ السَّلْكُ عَلَى الْإِيصَالِ الْمُبَاشِرِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالدُّخُولِ فِي الشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا مَصْرِفَ لَهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً [الْجِنّ: ١٧] أَيْ يُرْسِلُ إِلَيْهِ مَلَائِكَةً مُتَّجِهِينَ إِلَيْهِ لَا يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَيْهِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَيْبِ، كَأَنَّهُمْ شُبِّهَ اتِّصَالُهُمْ بِهِ وَحِرَاسَتُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ دَاخِلٍ فِي أَجْزَاءِ جِسْمٍ. وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْحِفْظِ الَّذِي حَفِظَ اللَّهُ بِهِ ذِكْرَهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الْحجر: ٩] .

وَالْمُرَادُ بِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ الْكِنَايَةُ عَنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَمِنْ تِلْكَ الْكِنَايَةِ يَنْتَقِلُ إِلَى كِنَايَةٍ أُخْرَى عَنِ السَّلَامَةِ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ.