وَالْإِسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ وَتَقَدَّمَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٣١] وَهُمَا مُعَرَّبَانِ.
فَأَمَّا السُّنْدُسُ فَمُعَرَّبٌ عَنِ اللُّغَةِ الْهِنْدِيَّةِ وَأَصْلُهُ (سُنْدُونُ) بِنُونٍ فِي آخِرِهِ، قِيلَ: إِنَّ سَبَبَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّهُ جُلِبَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اسْمَهُ (سُنْدُونُ) فَصَيَّرَهُ لِلُغَةِ الْيُونَانِ سُنْدُوسُ (لِأَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ تَنْهِيَةَ الْأَسْمَاءِ بِحَرْفِ السِّينِ) وَصَيَّرَهُ الْعَرَبُ سُنْدُسًا. وَفِي «اللِّسَانِ» : أَنَّ السُّنْدُسَ يُتَّخَذُ مِنَ الْمِرْعِزَّى (كَذَا ضَبَطَهُ مُصَحِّحُهُ) وَالْمَعْرُوفُ الْمِرْعَزُ كَمَا فِي «التَّذْكِرَة» و «شِفَاء الْغَلِيلِ» . وَفِي «التَّذْكِرَةِ» الْمِرْعَزُ: مَا نَعِمَ وَطَالَ مِنَ الصُّوفِ اهـ. فَلَعَلَّهُ صُوفُ حَيَوَانٍ خَاصٍّ فِيهِ طُولٌ أَوْ هُوَ مِنْ نَوْعِ الشَّعَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا أَخْضَرَ اللَّوْنِ لِقَوْلِ يَزِيدَ بْنِ حُذَّاقٍ الْعَبْدِيِّ يَصِفُ مَرْعَى فَرَسِهِ:
وَدَاوَيْتُهَا حَتَّى شَتَتْ حَبَشِيَّةً ... كَأَنَّ عَلَيْهَا سُنْدُسًا وَسُدُوسًا
أَيْ فِي أَرْضٍ شَدِيدَةِ الْخُضْرَةِ كَلَوْنِ الْحَبَشِيِّ. وَفِي «اللِّسَانِ» : السُّدُوسُ الطَّيْلَسَانُ الْأَخْضَرُ. وَلِقَوْلِ أَبِي تَمَّامٍ يَرْثِي مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ النَّبْهَانِيَّ الطُّوسِيَّ:
تَرَدَّى ثِيَابَ الْمَوْتِ حُمْرًا فَمَا أَتَى ... لَهَا اللَّيْلُ إِلَّا وَهِيَ مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرُ
وَأَمَّا الْإِسْتَبْرَقُ فَنَسْجٌ مِنْ نَسْجِ الْفُرْسِ وَاسْمُهُ فَارِسِيٌ، وَأَصْلُهُ فِي الْفَارِسِيَّةِ: اسْتَقْرَهْ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ فَوْقَهُمْ ثِيَابًا مِنَ الصِّنْفَيْنِ يَلْبَسُونَ هَذَا وَذَاكَ جَمْعًا بَيْنَ مَحَاسِنِ كِلَيْهِمَا، وَهِيَ أَفْخَرُ لِبَاسِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الثَّرْوَةِ.
وَلَوْنُ الْأَخْضَرِ أَمْتَعٌ لِلْعَيْنِ وَكَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُلُوكِ، قَالَ النَّابِغَةُ يَمْدَحُ مُلُوكَ غَسَّانَ:
يَصُونُونَ أَجْسَادًا قَدِيمًا نَعِيمُهُا ... بِخَالِصَةِ الْأَرْدَانِ خُضْرِ الْمَنَاكِبِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّنْدُسَ كَانَ لَا يُصْبَغُ إِلَّا أَخْضَرَ اللَّوْنِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ خُضْرٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ لِ ثِيابُ. وإِسْتَبْرَقٌ بِالرَّفْعِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ثِيابُ بِقَيْدِ كَوْنِهَا مِنْ سُنْدُسٍ فَمَعْنَى عَالِيهِمْ إِسْتَبْرَقٌ: أَنَّ الْإِسْتَبْرَقَ لِبَاسُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute