عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الْإِنْسَان: ١] وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا تَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ وَلَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اقْتِرَانَ هَلْ بِحَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا يَنْهَضُ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ لِإِمْكَانِ تَخْرِيجِهِ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَرْفَيِ اسْتِفْهَامٍ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا يُؤَكِّدُ الْحَرْفَ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ كَقَوْلِ مُسْلِمِ بْنِ مَعْبَدٍ الْوَالِبِيِّ:
فَلَا وَالله لَا يلقى لِمَا بِي ... وَلَا لِلِمَا بِهِمْ أَبَدًا دَوَاءُ
فَجَمَعَ بَيْنَ لَامَيْ جَرٍّ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَإِنَّ هَلْ تَمَحَّضَتْ لِإِفَادَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِهَا، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إنكاري لَا محَالة بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَالْكَلَامُ خَبَرٌ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ.
وَالنَّظَرُ: الِانْتِظَارُ وَالتَّرَقُّبُ يُقَالُ نَظَرَهُ بِمَعْنَى تَرَقَّبَهُ، لِأَنَّ الَّذِي يَتَرَقَّبُ أَحَدًا يُوَجِّهُ نَظَرَهُ إِلَى صَوْبِهِ ليرى شبحه عِنْد مَا يَبْدُو، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا نَفِيَ النَّظَرِ الْبَصَرِيِّ أَيْ لَا يَنْظُرُونَ
بِأَبْصَارِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا إِتْيَانَ أَمْرِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَنْظُرُ غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ رُؤْيَتَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ لِشِدَّةِ هَوْلِ إِتْيَانِ أَمْرِ اللَّهِ، فَيَكُونُ قَصْرًا ادِّعَائِيًّا، أَوْ تُسْلَبُ أَبْصَارُهُمْ مِنَ النَّظَرِ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْمُرَكَّبُ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ مِنَ الْإِنْكَار بل مُسْتَعْملا إِمَّا فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى غَالِبِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الضَّمِيرِ، وَإِمَّا فِي الْوَعْدِ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِمَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ، وَإِمَّا فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْعِدَةُ بِظُهُورِ الْجَزَاءِ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ، وَإِمَّا فِي التَّهَكُّمِ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُنَافِقِينَ الْيَهُودَ أَوِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِمُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [الْبَقَرَة: ٥٥] . وَيجوز على هَذَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنِ الْيَهُودِ: أَيْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَيَدْخُلُونَ فِي السِّلْمِ حَتَّى يَرَوُا اللَّهَ تَعَالَى فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [الْبَقَرَة: ١٤٥] .
وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إِلَى قَوْلِهِ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا [الْإِسْرَاء: ٩٠، ٩٢] ، وَسَيَجِيءُ الْقَوْلُ مُشَبَّعًا فِي مَوْقِعِ هَذَا التَّرْكِيبِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute