قَالَ؟ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ التَّسَاؤُلِ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمِثْلِ تِلْكَ الْمُسَاءَلَةِ وَقَصْدُهُمْ مِنْهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ بَلْ تَهَكُّمِيٌّ.
وَالِاسْتِفْهَامُ بِمَا فِي قَوْلِهِ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ لَيْسَ اسْتِفْهَامًا حَقِيقِيًّا بَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّشْوِيقِ إِلَى تَلَقِّي الْخَبَرِ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ [الشُّعَرَاء:
٢٢١] .
وَالْمُوَجَّهُ إِلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.
وَضَمِيرُ يَتَساءَلُونَ يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ ضَمِيرَ جَمَاعَةِ الْغَائِبِينَ مُرَادًا بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَلَكِنَّ ذِكْرَهُمْ مُتَكَرِّرٌ فِي الْقُرْآنِ فَصَارُوا مَعْرُوفِينَ بِالْقَصْدِ مِنْ بَعْضِ ضَمَائِرِهِ، وَإِشَارَاتِهِ الْمُبْهَمَةِ، كَالضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] (يَعْنِي الشَّمْسَ) كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ [الْقِيَامَة: ٢٦] (يَعْنِي الرُّوحَ) ، فَإِنْ جَعَلْتَ الْكَلَامَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ فَالضَّمِيرُ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ.
وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ طَلَبِ الْفَهْمِ حَسُنَ تَعْقِيبُهُ بِالْجَوَابِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ:
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ فَجَوَابه مستعملة بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِالِاسْتِفْهَامِ مِنَ الْإِجْمَالِ لِقَصْدِ التَّفْخِيمِ فَبُيِّنَ جَانِبُ التَّفْخِيمِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشُّعَرَاء: ٢٢١، ٢٢٢] ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: هُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ:
لِمَنِ الدَّارُ أَقْفَرَتْ بِمَعَانِ ... بَيْنَ أَعْلَى الْيَرْمُوكِ وَالصَّمَّانِ
ذَاكَ مَغْنَى لِآلِ جَفْنَة فِي الده ... ر وَحَقٌّ تَقَلُّبُ الْأَزْمَانِ
وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ، قِيلَ: مُطْلَقًا فَيَكُونُ مُرَادِفًا لِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ إِطْلَاق «الْقَامُوس» و «الصِّحَاح» و «اللِّسَان» .
وَقَالَ الرَّاغِبُ: «النَّبَأُ الْخَبَرُ ذُو الْفَائِدَةِ الْعَظِيمَةِ يَحْصُلُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَلَا يُقَالُ لِلْخَبَرِ نَبَأٌ حَتَّى يَتَضَمَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةَ وَيَكُونَ صَادِقًا» اهـ. وَهَذَا فَرْقٌ حَسَنٌ وَلَا أَحْسَبُ الْبُلَغَاءَ جَرَوْا إِلَّا عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ الرَّاغِبُ فَلَا يُقَالُ لِلْخَبَرِ عَنِ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ: نَبَأٌ وَذَلِكَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مَوَارِدُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ النَّبَأِ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ أَطْلَقُوا مُرَادَفَةَ النَّبَأِ لِلْخَبَرِ رَاعَوْا مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ كَلَامِ النَّاسِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute