تَسَامُحٍ بِإِطْلَاقِ النَّبَأِ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْخَبَرِ لِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ أَوِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، فَكَثُرَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ كَثْرَةً عَسُرَ مَعَهَا تَحْدِيدُ مَوَاقِعِ الْكَلِمَتَيْنِ وَلَكِنَّ أَبْلَغَ الْكَلَامِ لَا يَلِيقُ تَخْرِيجُهُ إِلَّا عَلَى أَدَقِّ مَوَاقِعِ الِاسْتِعْمَالِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣٤] وَقَوْلِهِ: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ [ص: ٦٧، ٦٨] .
وَالْعَظِيمُ حَقِيقَتُهُ: كَبِيرُ الْجِسْمِ وَيُسْتَعَارُ لِلْأَمْرِ الْمُهِمِّ لِأَنَّ أَهَمِّيَّةَ الْمَعْنَى تُتَخَيَّلُ بِكِبَرِ الْجِسْمِ فِي أَنَّهَا تقع عِنْد مدركها كَمَرْأَى الْجِسْمِ الْكَبِيرِ فِي مَرْأَى الْعَيْنِ وَشَاعَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ حَتَّى سَاوَتِ الْحَقِيقَةَ.
وَوصف النَّبَإِ ب الْعَظِيمِ هُنَا زِيَادَةٌ فِي التَّنْوِيهِ بِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ وَارِدًا مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ زَادَهُ عِظَمَ أَوْصَافٍ وَأَهْوَالٍ، فَوُصِفَ النَّبَأُ بِالْعَظِيمِ بِاعْتِبَارِ مَا وُصِفَ فِيهِ مِنْ أَحْوَال الْبَعْث فِي مَا نَزَلَ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ قَبْلَ هَذَا. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ فِي سُورَةِ ص [٦٧، ٦٨] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّبَإِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيَشْمَلُ كُلَّ نَبَأٍ عَظِيمٍ أَنْبَأَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ،
وَأَوَّلُ ذَلِكَ إِنْبَاؤُهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنْ إِبْطَالِ الشِّرْكِ، وَمِنْ إِثْبَاتِ بَعْثِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ تَعْيِينِ نَبَأٍ خَاصٍّ يُحْمَلُ عَلَى التَّمْثِيلِ. فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: هُوَ الْبَعْثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَسَوْقُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً إِلَى قَوْلِهِ: وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً [النبأ: ١٦] يَدُلُّ دِلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الْإِنْبَاءُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَضَمِيرُ هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي قَوْلِهِ: يَتَساءَلُونَ.
وَاخْتِلَافُهُمْ فِي النَّبَأِ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا يَصِفُونَهُ بِهِ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْأَنْعَام: ٢٥] وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: هَذَا كَلَامُ مَجْنُونٍ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: هَذَا كَذِبٌ، وَبَعْضِهِمْ: هَذَا سِحْرٌ، وَهُمْ أَيْضًا مُخْتَلِفُونَ فِي مَرَاتِبِ إِنْكَارِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِإِنْكَارِ الْبَعْثِ مِثْلَ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute