وَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ بِلَفْظِ أَكْفَرَهُ لِظُهُورِهِ مِنْ لفظ «أكفره» وَتَقْدِيرُهُ: مَا أَكْفَرَهُ بِاللَّهِ.
وَفِي قَوْلِهِ: قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ مُحَسِّنُ الِاتِّزَانِ فَإِنَّهُ مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ مِنْ عَرُوضِهِ الْأُولَى الْمَحْذُوفَةِ.
وَجُمْلَةُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ لِأَنَّ مَفَادَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى إِبْطَالِ إِحَالَتِهِمُ الْبَعْثَ وَذَلِكَ الْإِنْكَارُ مِنْ أَكْبَرِ أُصُولِ كُفْرِهِمْ.
وَجِيءَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِصُورَةِ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ لِلتَّشْوِيقِ إِلَى مَضْمُونِهِ، وَلِذَلِكَ قُرِنَ الِاسْتِفْهَامُ بِالْجَوَابِ عَنْهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النَّبَأِ: ١- ٢] .
وَالِاسْتِفْهَامُ صُورِيٌّ، وَجُعِلَ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ تَعْيِينَ الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ خُلِقَ الْإِنْسَانُ لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَا لَيْسَ لِإِثْبَاتِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ، بَلِ الْمَقَامُ لِإِثْبَاتِ إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْخَلْقِ بِتَنْظِيرِهِ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ [ق: ١٥] أَيْ كَمَا كَانَ خَلْقُ
الْإِنْسَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنْ نُطْفَةٍ يَكُونُ خَلْقُهُ ثَانِيَ مَرَّةٍ مِنْ كَائِنٍ مَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ فِي سُورَةِ الطَّارِقِ [٥- ٨] .
وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَهُ عَائِد إِلَى لله تَعَالَى الْمَعْلُومِ مِنْ فِعْلِ الْخَلْقِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يُنْكِرُونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْإِنْسَانِ.
وَقُدِّمَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ مُحَاكَاةً لِتَقْدِيمِ الْمُبَيَّنِ فِي السُّؤَالِ الَّذِي اقْتَضَى تَقْدِيمَهُ كَوْنُهُ اسْتِفْهَامًا يَسْتَحِقُّ صَدْرَ الْكَلَامِ، مَعَ الِاهْتِمَامِ بِتَقْدِيمِ مَا مِنْهُ الْخَلْقُ، لِمَا فِي تَقْدِيمِهِ مِنَ التَّنْبِيهِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَظِيمِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ كَوَّنَ أَبْدَعَ مَخْلُوقٍ مَعْرُوفٍ مِنْ أَهْوَنِ شَيْءٍ وَهُوَ النُّطْفَةُ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَغْنَ عَنْ إِعَادَةِ فِعْلِ خَلَقَهُ فِي جُمْلَةِ الْجَوَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ بِتَقَدُّمِ ذِكْرِ حَاصِلِهِ فِي السُّؤَالِ لِزِيَادَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى دِقَّةِ ذَلِكَ الْخَلْقِ الْبَدِيعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute