للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِضَافَةُ «قَوْلُ» إِلَى رَسُولٍ إِمَّا لأدنى مُلَابسَة لِأَن جِبْرِيلَ يُبَلِّغُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْكِيهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ قَائِلُهَا، أَيْ صَادِرَةٌ مِنْهُ أَلْفَاظُهَا.

وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ جِبْرِيلَ بِوَصْفِ رَسُولٍ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي يُبَلِّغُهُ هُوَ رِسَالَةٌ مِنَ اللَّهِ مَأْمُورٌ بِإِبْلَاغِهَا كَمَا هِيَ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ آخَرُونَ الرَّسُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ كُلِّهَا اهـ. وَلَمْ يُعَيِّنِ اسْمَ أَحَدٍ مِمَّنْ قَالُوا هَذَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

وَاسْتُطْرِدَ فِي خِلَالِ الثَّنَاءِ عَلَى الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَلَكِ الْمُرْسَلِ بِهِ تَنْوِيهًا بِالْقُرْآنِ فَإِجْرَاءُ أَوْصَافِ الثَّنَاءِ عَلَى رَسُولٍ لِلتَّنْوِيهِ بِهِ أَيْضًا، وَلِلْكِنَايَةِ عَلَى أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ صِدْقٌ لِأَنَّ كَمَالَ الْقَائِلِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْقَوْلِ.

وَوُصِفَ رَسُولٍ بِخَمْسَةِ أَوْصَافٍ:

الْأَوَّلُ: كَرِيمٍ وَهُوَ النَّفِيسُ فِي نَوْعِهِ.

وَالْوَصْفَانِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ فَالْقُوَّةُ حَقِيقَتُهَا مَقْدِرَةُ الذَّاتِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا غَالِبًا. وَمِنْ أَوْصَافِهِ تَعَالَى: «الْقَوِيُّ» ، وَمِنْهَا مَقْدِرَةُ الذَّاتِ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَبْنَاءُ نَوْعِهِ.

وَضِدُّهَا الضَّعْفُ قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ

قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً

[الرّوم: ٥٤] .

وَتُطْلَقُ الْقُوَّةُ مَجَازًا عَلَى ثَبَاتِ النَّفْسِ عَلَى مُرَادِهَا وَالْإِقْدَامِ وَرِبَاطَةِ الْجَأْشِ، قَالَ تَعَالَى: يَا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [مَرْيَم: ١٢] وَقَالَ: خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [الْبَقَرَة: ٦٣] ، فَوَصْفُ جِبْرِيلَ بِ ذِي قُوَّةٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شِدَّةَ الْمَقْدِرَةِ كَمَا وُصِفَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

ذُو مِرَّةٍ [النَّجْم: ٦] ، وَيَجُوزُ أَنْ يكون فِي الْقُوَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ الثَّبَاتُ فِي أَدَاءِ مَا أُرْسِلَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النَّجْم: ٥] لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّعْلِيمِ هُوَ قُوَّةُ النَّفْسِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ المُرَاد مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَصْفُهُ بِ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ يُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَهُوَ الْكَرَامَةُ وَالِاسْتِجَابَةُ لَهُ.