للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْرُوفُ فِي أَقْسَامِ الْقُرْآنِ أَنْ تَكُونَ بِالْأَشْيَاءِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْأَشْيَاءِ الْمُبَارَكَةِ.

ثُمَّ عُطِفَ الْقَسَمُ بِ اللَّيْلِ عَلَى الْقَسَمِ بِ «الْكَوَاكِبِ» لِمُنَاسَبَةِ جَرَيَانِ الْكَوَاكِبِ فِي اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ تَعَاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ أَجَلِّ مَظَاهِرِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ.

وَعَسْعَسَ اللَّيْلُ عَسْعَاسًا وَعَسْعَسَةً، قَالَ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ: أَدْبَرَ ظَلَامُهُ، وَقَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَجَزَمَ بِهِ الْفَرَّاءُ وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَالْخَلِيلُ: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يُقَالُ: عَسْعَسَ، إِذَا أَقْبَلَ ظَلَامُهُ، وَعَسْعَسَ، إِذَا أَدْبَرَ ظَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِهِ مَعًا اهـ.

وَبِذَلِكَ يَكُونُ إِيثَارُ هَذَا الْفِعْلِ لِإِفَادَتِهِ كِلَا حَالَيْنِ صَالِحَيْنِ لِلْقَسَمِ بِهِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ إِذْ يَعْقُبُ الظَّلَامَ الضِّيَاءُ ثُمَّ يَعْقُبُ الضِّيَاءَ الظَّلَامُ، وَهَذَا إِيجَازٌ.

وَعُطِفَ عَلَيْهِ الْقَسَمُ بِالصُّبْحِ حِينَ تَنَفُّسِهِ، أَيِ انْشِقَاقِ ضَوْئِهِ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ

تَنَفُّسَ الصُّبْحِ مِنْ مَظَاهِرِ بَدِيعِ النِّظَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ.

وَالتَّنَفُّسُ: حَقِيقَتُهُ خُرُوجُ النَّفَسِ مِنَ الْحَيَوَانِ، اسْتُعِيرَ لِظُهُورِ الضِّيَاءِ مَعَ بَقَايَا الظَّلَامِ عَلَى تَشْبِيهِ خُرُوجِ الضِّيَاءِ بِخُرُوجِ النَّفَسِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا بَدَا الصَّبَاحُ أَقَبَلَ مَعَهُ نَسِيمٌ فَجُعِلَ ذَلِكَ كَالتَّنَفُّسِ لَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ بِتَشْبِيهِ الصُّبْحِ بِذِي نَفَسٍ مَعَ تَشْبِيهِ النَّسِيمِ بِالْأَنْفَاسِ.

وَضَمِيرُ إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الْمَقَامِ فِي سِيَاقِ الْإِخْبَارِ بِوُقُوعِ الْبَعْثِ فَإِنَّهُ مِمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ وَكَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ.

وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وُصِفَ جِبْرِيلُ بِرَسُولٍ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ.