للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَكْرِيرِ كَلِمَةِ (إِذَا) بَعْدَ حُرُوفِ الْعَطْفِ كَالْقَوْلِ فِي جُمَلِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: ١] .

وانْفَطَرَتْ: مُطَاوِعُ فَطَرَ، إِذَا جُعِلَ الشَّيْءُ مَفْطُورًا، أَيْ مَشْقُوقًا ذَا فُطُورٍ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ.

وَهَذَا الِانْفِطَارُ: انْفِرَاجٌ يَقَعُ فِيمَا يُسَمَّى بِالسَّمَاءِ وَهُوَ مَا يُشْبِهُ الْقُبَّةَ فِي نَظَرِ الرَّائِي يَرَاهُ تَسِيرُ فِيهِ الْكَوَاكِبُ فِي أُسْمَاتٍ مَضْبُوطَةٍ تُسَمَّى بالأفلاك تشاهد باليل، وَيُعْرَفُ سَمْتُهَا فِي

النَّهَارِ، وَمُشَاهَدَتُهَا فِي صُورَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مَعَ تَعَاقُبِ الْقُرُونِ تَدُلُّ عَلَى تَجَانُسِ مَا هِيَ مُصَوَّرَةٌ مِنْهُ فَإِذَا اخْتَلَّ ذَلِكَ وَتَخَلَّلَتْهُ أَجْسَامٌ أَوْ عناصر غَرِيبَة عَن أَصْلِ نِظَامِهِ تَفَكَّكَتْ تِلْكَ الطِّبَاقُ وَلَاحَ فِيهَا تَشَقُّقٌ فَكَانَ عَلَامَةً عَلَى انْحِلَالِ النِّظَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا كُلِّهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِانْفِطَارَ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِانْشِقَاقِ أَيْضًا فِي سُورَةِ الِانْشِقَاقِ وَهُوَ حَدَثٌ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْبَعْثِ وَأَنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ عِنْدَ إِفْسَادِ النِّظَامِ الَّذِي أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَكَاتِ الْكَوَاكِبِ وَحَرَكَةَ الْأَرْضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ قَرْنُهُ بِانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ وَتَفَجُّرِ الْبِحَارِ وَتَبَعْثُرِ الْقُبُورِ.

وَأَمَّا الْكَشْطُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ [١١] فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ فَذَلِكَ عَرَضٌ آخَرُ يَعْرِضُ لِلسَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْحَشْرِ فَهُوَ من قبيل قَوْله تَعَالَى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الْفرْقَان: ٢٥] .

وَالِانْتِثَارُ: مُطَاوِعُ النَّثْرِ ضِدَّ الْجَمْعِ وَضِدَّ الضَّمِّ، فَالنَّثْرُ هُوَ رَمْيُ أَشْيَاءَ عَلَى الْأَرْضِ بِتَفَرُّقٍ.

وَأَمَّا التَّفَرُّقُ فِي الْهَوَاءِ فَإِطْلَاقُ النَّثْرِ عَلَيْهِ مَجَازٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الْفرْقَان: ٢٣] . فَانْتِثَارُ الْكَوَاكِبِ مُسْتَعَارٌ لِتَفَرُّقِ هَيْئَاتِ اجْتِمَاعِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي مَوَاقِعِهَا، أَوْ مُسْتَعَارٌ لِخُرُوجِهَا مِنْ دَوَائِرِ أَفْلَاكِهَا وَسُمُوتِهَا فَتَبْدُو مُضْطَرِبَةً فِي الْفَضَاءِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَلُوحُ كَأَنَّهَا قَارَّةٌ، فَانْتِثَارُهَا تَبَدُّدُهَا وَتَفَرُّقُ مُجْتَمَعِهَا، وَذَلِكَ مِنْ آثَارِ اخْتِلَالِ قُوَّةِ الْجَاذِبِيَّةِ الَّتِي أُقِيمَ عَلَيْهَا نِظَامُ الْعَالَمِ الشَّمْسِيُّ.

وَتَفْجِيرُ الْبِحَارِ انْطِلَاقُ مَائِهَا مِنْ مُسْتَوَاهُ وَفَيَضَانُهُ عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الْأَرْضِينَ